قاعدة القرعة

اشارة

نام كتاب: قاعدة القرعة

سرشناسه : كريمي، حسين، - 1322

عنوان و نام پديدآور : قاعده القرعه/ تاليف حسين الكريمي القمي؛ تحقيق و نشر مركز فقه الائمه الاطهار عليهم السلام

مشخصات نشر : قم: مركز فقه الائمه الاطهار عليهم السلام، 1420ق. = 1378.

مشخصات ظاهري : ص 136

فروست : (سلسله القواعد الفقهيه 1)

شابك : 964-92309-0-45000ريال

يادداشت : عربي

يادداشت : كتابنامه: ص. [124] - 132؛ همچنين به صورت زيرنويس

موضوع : قاعده قرعه

موضوع : قرعه كشي -- جنبه هاي مذهبي -- اسلام

شناسه افزوده : مركز فقهي ائمه اطهار(ع)

رده بندي كنگره : BP169/52 /ق4 ك4 1378

رده بندي ديويي : 297/324

شماره كتابشناسي ملي : م 79-6361

قطع: وزيري

تعداد جلد: 1

نوبت چاپ: اول

[مقدمة التحقيق]

بِسْمِ اللّٰهِ الرَّحْمٰنِ الرَّحِيمِ

نحمد اللّٰه عليٰ آلائه و نعمه، و نشكره عليٰ كرمه و مننه، فقد منّ علينا بالهداية و التوفيق لدراسة أحكام الشريعة و تعليمها و الوصول إليٰ قواعدها و أصولها، و معرفة ما يحتاج إليه الفقيه في استنباط الأحكام الشرعيّة الإلهيّة، و نصلّي و نسلّم عليٰ أشرف بريّته محمّد و آله الطاهرين.

ثمّ إنّه غير خفيّ علي البصير أنّ الحوزات العلميّة المقدّسة هي من أشرف نعم اللّٰه تعاليٰ علينا، فلا بدّ لنا من تقويتها و استمرارها و إفاضتها في جميع الأبعاد التي يحتاج إليها النّاس؛ و من أهمّ المسئوليات الملقاة عليٰ عاتقها في هذا العصر الجديد الذي أصبحت فيه الشريعة الغراء مورداً للشبهات الكثيرة التي يثيرها أعداء الدين، و ساحةً لما يستجدّ من أبحاث جديدة التصدّي لدرء الشبهات و للدفاع عن كيان الدين و مؤسّساته، و لا يتحقّق هذا الأمر إلّا بالاطّلاع علي المسائل الموجودة في العالم حول الدين و الفقه، و التفوّق عليها حسب مرور الزمان و مقتضياته. و لا بدّ في هذا العصر من الاستفادة الكاملة و المفيدة

من طلاب العلم و الفضلاء في الحوزة، و إحداث اطروحات جديدة للوصول إلي الغاية الأساسيّة و هي الاجتهاد في كلّ شعبة من العلوم الحوزويّة من

قاعدة القرعة، ص: 6

الفقه و الكلام و التفسير و الأصول و غيرها، و لا شكّ أن هذا الأمر يحتاج إلي التنظيم و التنسيق الخاصّ بشكل عامّ و واسع، و في هذا المسير المهمّ لأوّل مرّة في الحوزة المقدّسة أُسّس المركز الفقهي للأئمّة الأطهار (عليهم السّلام) بأمر والدي الأعزّ المرجع الديني الكبير آية اللّٰه العظمي الشيخ محمّد الفاضل اللنكراني (مدّ ظلّه العالي) للتركيز و التمحض في خصوص الفقه و الأصول. و الغاية القصوي من تأسيس هذا المركز، الترغيب و التشويق بالنسبة إليٰ من يكون عنده مراتب من العلوم الحوزويّة، و تهيئته لارتقائه إليٰ ذروتها القصوي و هي الاجتهاد بما له من العرض العريض و نطاقه الرفيع، ففي هذا المركز الفقهي العظيم مهّدت الوسائل و الإمكانات الجديدة لأن يستفيد الفضلاء من منابع الاستنباط أكثر فأكثر، و أيضاً قد أسّست اللجان الفقهيّة و الأصوليّة كلّ منها تحت هداية أستاذ مبرّز من الأساتذة، و بحمد اللّٰه بعد مرور مدّة قليلة من هذه التجربة الجديدة قد وصلنا إلي نتائج طيبة، و رأينا أنّ هذا الطريق هو السبيل للوصول إلي الهدف الأساسي من الفقه و الفقاهة.

و في جنب هذه اللجان شرعنا في تحقيق بعض البحوث و الموضوعات الفقهيّة المهمّة، التي لها دخل أساسي في الاستنباط، بجهود جمع من الفضلاء و المحقّقين، آملين أن نصل إن شاء اللّٰه تعالي إلي النتيجة المرتقبة المطلوبة.

و الرسالة التي بين يديك أيّها القارئ العزيز قاعدة من القواعد الفقهيّة، و هي قاعدة القرعة التي هي من المباحث الأساسيّة للفقه، و هي مرجع للحكم

في كثير من الفروع الفقهيّة، ألّفها المحقّق العلّامة الحجّة الأستاذ الشيخ حسين الكريمي حفظه اللّٰه تعاليٰ، بعد أن ألقاها لجمع من

قاعدة القرعة، ص: 7

الفضلاء الموجودين في المركز، و قد جعل محور البحث في هذه القاعدة ما ذكره المرجع المعظّم المؤسس لهذا المركز في كتابه المسمّي بالقواعد الفقهيّة مع مقدّمات و تحقيقات جديدة و توضيحات و تنبيهات نافعة حاوية لذكر آراء العامّة و الخاصّة و استقصاء الروايات و دفع الشبهات فصار بحمد اللّٰه كتاباً جامعاً في موضوعه و سفراً قيّماً في أسلوبه.

و نحن نشكر سماحة المؤلّف عليٰ مشاركته و مساهمته في هذا الأمر المبارك، و للّٰه تبارك و تعالي درّة و عليه أجره. نسأل اللّٰه تبارك و تعالي أن يوفّقنا جميعاً في هذا الأمر العظيم تحت راية و رعاية مولانا صاحب العصر و الزمان أرواحنا له الفداء.

و في الختام نشكر الفضلاء الأماجد في مركز فقه الأئمّة الأطهار (عليهم السّلام) الذين تعاونوا في إخراج هذا الكتاب.

1 حجّة الإسلام و المسلمين الشيخ حسين الواثقي، لإشرافه علي مراحل التنسيق و التصحيح و الطبع.

2 الأستاذ محسن الأسدي: مراجعة الكتاب و تنسيق بحوثه.

3 حجّة الإسلام الشيخ عباد اللّٰه سرشار الطهراني الميانجي، و الأخ الفاضل محمّد مهدي مقدادي لاشتراكهما في المقابلة و المراجعة.

محمّد جواد الفاضل اللنكراني 5 شهر رمضان المبارك 1420

قاعدة القرعة، ص: 9

بسم اللّٰه الرحمن الرحيم

المقدّمة

الحمد للّٰه ربّ العالمين، و صلي اللّٰه علي سيدنا محمد و آله الطاهرين سيما بقية اللّٰه في الأرضين، و لعنة اللّٰه علي أعدائهم أجمعين.

من الأمور التي لا ريب فيها و لا شك يعتريها، أنّ لكلّ عصر ميزات خاصة و مقتضيات حافّة به، و أنّ عصرنا من أكثر الأعصار ميزةً و أشد الأزمان إشكالًا بسبب ارتباطات

الدول، و اختلاط الأُمم و الملل، و التغييرات الصناعيّة، و الاكتشافات البحريّة و البرّية، و الاختراعات العجيبة و التسخيرات البديعة، و التحولات العديدة في شتّي الجهات، و نفوذ سلطة العلم و الصنعة إليٰ أقصي مراحل الأنفس و الآفاق، و الشبهات الناشئة من تلك التغييرات و التحولات. كلّ ذلك يقتضي تحوّلًا فقهياً تحلّ به المعضلات و تيسّر به المشاكل، و تتبيّن به أحكام الموضوعات المستحدثة.

و هذا هو الذي يستدعي قيام الحوزات العلمية و المراكز الثقافية باستفراغ وسعها لحلّ المشكلات العلمية، و دفع الشبهات الشيطانية، و تلبية الحاجات الدينية. و إلّا ينتهي الأمر إليٰ من لا يكون أهلًا لها، و إلي من لا نصيب له من الاجتهاد، و لا يكون من أهل الصلاح و السداد فيفتي الناس، و يصل أمر الدين إليٰ ما نراه في المؤتمرات و نشاهده في المقالات من إنكار الضروريات و التشكيك في المسلّمات.

و لما انتهي أمر الزعامة الدينيّة إليٰ مشايخنا الكرام و أساتذتنا العظام كثر اللّٰه أمثالهم فكان منهم العلم العلّام و أستاذنا الفهّام المرجع الديني

قاعدة القرعة، ص: 10

آية اللّٰه الحاج الشيخ محمد الفاضل اللنكراني، متعنا اللّٰه تعاليٰ بطول بقائه الشريف. طلبت منه مراراً و راجعته مكرراً أن يؤسّس كلية فقهية لجذب النفوس المستعدة و ذوي الهمم العالية للتفقه في الدين حتي يصلوا إليٰ أقصي مراتب الاجتهاد النافع، و أعلي مراتب الفقه الناجح، بهم يدفع إفراط الغالين و تحريفات الضّالين و بدع المضلّين؛ ليكونوا دعاةً إلي الدين، و حماةً عن حريم أئمتنا المعصومين سلام اللّٰه عليهم أجمعين.

فأجابني أيّده اللّٰه إليٰ ما طلبته، و أقامني لتأسيس ما رجوته، فأسّسنا بأمره مع جماعة من الإخوان منهم: نجله الشريف الزّكي و العالم الحفي الشيخ محمد جواد

الفاضل سلّمه اللّٰه تعاليٰ، مركزاً فقهياً و جامعاً دينياً.

و كنت أُدرّس في لجنة القضاء الإسلامي، فقصدت إليٰ تدوين ما ألقيتُ من المباحث في شهر رمضان 1419 حول قاعدة القرعة. و لمّا كان محور تدريسنا ما ألّفه المؤسس المعظَّم شيخُنا الأستاذ آية اللّٰه الفاضل حول قاعدة القرعة، المطبوع في كتابه القواعد الفقهية، فجعلت كتابي هذا عليٰ ثلاثة أبواب:

الباب الاوّل: فيما كان قبل كلام الأستاذ، و فيه كليات نافعة و مقدمات ناجحة.

الباب الثاني: فيما يكون مع كلام الأستاذ، و فيه بعض التوضيحات و التعليقات.

الباب الثالث: فيما يكون بعد كلام الأستاذ، و فيه ما نذكره بعنوان التنبيهات فيما بقي من الأبحاث اللّازمة.

فصار بحمد اللّٰه كتاباً وافياً و مقالًا شافياً، نرجو من اللّٰه القبول، و أهدي ثوابه إليٰ مولانا و سيّدنا خاتم الأوصياء و بقيّة الأصفياء الحجّة ابن الحسن العسكري أرواحنا فداه.

«اللّهم عجِّل فرجه و سهل مخرجه و اجعلنا من أعوانه و أنصاره» قم المقدسة حسين الكريمي القمّي شوال 1419

قاعدة القرعة، ص: 11

الباب الأوّل: و فيه أمور نافعة

1 تعريف قاعدة «القرعة»

من جملة الأُصول المتلقّاة من الشريعة إعمال قاعدة القرعة في الأُمور المجهولة المشكلة، و لم أرَ من تعرّض لتعريفها و بيان حقيقتها. نعم قال المحقق النراقي في عوائده: «اعلم أنّ القرعة مأخوذة من قارعة القلوب أي: ما يخوّفها؛ لأنّ قلب كلّ من المتقارعين في الشدّة و المخافة حتّي يخرج سهمه، أو من القرع بمعني الضرب حيث إنّه يضرب بالعلامة علي الحصّة، و في عرف المتشرّعة عبارة عن العمل المعهود» «1».

و أنت خبير أنّه أحال معناها العرفي المتشرعي إليٰ وضوح الأمر عندهم، و هذا المقدار من المعرفة لا يكفي في ترتيب آثار القاعدة.

و الذي حصل لي بعد الغور في الكتاب و السنّة و أقوال العلماء و أصحاب

اللغة أنّها عبارة عن الاستهداء من اللّٰه تبارك و تعالي علي

______________________________

(1) عوائد الأيام: 668.

قاعدة القرعة، ص: 12

وجه مخصوص عند التحيّر و اليأس من الاهتداء بطرق عقلية أو شرعية كما في الاستخارة، بل الاستخارة نوع منها كما يأتي إن شاء اللّٰه «1».

و علي هذا تخرج الشبهات الحكمية من القرعة تخصّصاً؛ و ذلك لوجود البيان من الشرع و العقل. ففي الشبهة البدوية المقرونة بالحالة السابقة ترتفع الحيرة بالاستصحاب، و في غيرها بالبراءة و قاعدة الإباحة، و في الشبهة المقرونة بالعلم الإجمالي تجري البراءة من الخصوصية، و يحكم بالتخيير عقلًا و شرعاً إذا لم يمكن الاحتياط، و فيما يمكن الاحتياط لا بدّ من الاشتغال عقلًا و نقلًا، و هكذا في الشبهات الموضوعية المفهومية ترجع في الزائد علي المتيقّن إلي البراءة إذا دار أمرها بين الأقل و الأكثر و إلي الاحتياط في المتباينين، و هكذا في الشبهات الموضوعيّة المصداقيّة إذا لم تكن مقرونة بالعلم الإجمالي، كان الحكم الظاهري هو البراءة عند فقد البيّنة و الاستصحاب و سائر القواعد الجارية في الموضوعات، مثل قاعدة اليد و أصالة الصحّة و قاعدة الإحسان و غير ذلك من القواعد الفقهية.

فينحصر مورد القرعة في موردين:

ألف: فيما كان كلّ من حكمه الواقعي و الظاهري مجهولًا، ممّا فيه واقع معيّن، كما في الخنثي المشكل، و موارد تعارض البينات عند

______________________________

(1) و في كتاب الموسوعة الفقهيّة من منشورات وزارة أوقاف الكويت: 33/ 136: القرعة في اللغة: السهم و النصيب … و لا يخرج المعني الاصطلاحي عن المعني اللغوي … و إلقاء القرعة: حيلة يتعيّن بها سهم الإنسان».

قاعدة القرعة، ص: 13

التساوي من جميع الجهات و يسمّونه بالمجهول.

ب: فيما لا يكون له واقع معيّن، و هو الذي يسمّونه بالمشكل و

المعضل، كما لو أوصيٰ بعتق أحد عبيده، أو أراد أن يسافر بإحدي زوجاته، كما يأتي ذلك مفصّلًا إن شاء اللّٰه.

2 القرعة مشروعة في الأديان السابقة

اشارة

دلّ الكتاب و السنّة و التواريخ المعتبرة علي مشروعيّة القرعة في الأديان السابقة. أمّا الكتاب فقوله تعاليٰ في قصّة تكفّل مريم: وَ مٰا كُنْتَ لَدَيْهِمْ إِذْ يُلْقُونَ أَقْلٰامَهُمْ أَيُّهُمْ يَكْفُلُ مَرْيَمَ «1» و قوله تعاليٰ في قصة يونس: فَسٰاهَمَ فَكٰانَ مِنَ الْمُدْحَضِينَ «2». و يأتي تفسيرهما في كلام شيخنا الأُستاذ (دام ظلّه).

و أمّا السنة فكثيرة:

منها: ما رواه الصدوق بإسناده عن حمّاد بن عيسيٰ، عمّن أخبره، عن حريز، عن أبي جعفر (عليه السّلام) قال: أوّل من سوهم عليه مريم بنت عمران و هو قول اللّٰه عز و جل: وَ مٰا كُنْتَ لَدَيْهِمْ إِذْ يُلْقُونَ أَقْلٰامَهُمْ أَيُّهُمْ يَكْفُلُ مَرْيَمَ و السهام ستّة. ثمّ استهموا في يونس (عليه السّلام) لما ركب مع القوم، فوقفت السفينة في اللّجة، فاستهموا فوقع السهم علي يونس ثلاث مرّات، قال: فمضي يونس (عليه السّلام) إليٰ صدر السفينة فإذا الحوت فاتح فاه فرمي نفسه.

______________________________

(1) آل عمران: 44.

(2) الصافات: 141.

قاعدة القرعة، ص: 14

ثمّ كان عبد المطلب قد ولد له تسعة بنين، فنذر في العاشر إن رزقه اللّٰه غلاماً أن يذبحه. فلمّا ولد عبد اللّٰه لم يكن يقدر أن يذبحه و رسول اللّٰه (صلّي اللّٰه عليه و آله) في صلبه، فجاء بعشر من الإبل فساهم عليها و عليٰ عبد اللّٰه، فخرجت السهام عليٰ عبد اللّٰه فزاد عشراً، فلم تزل السهام تخرج علي عبد اللّٰه و يزيد عشراً، فلمّا أن خرجت مائة خرجت السهام علي الإبل، فقال عبد المطلب: ما أنصفت ربّي، فأعاد السهام ثلاثاً، فخرجت علي الإبل، فقال: الآن علمت أنّ ربّي رضي فنحرها.

و رواها في

الخصال عن أحمد بن هارون، و جعفر بن محمّد بن مسرور جميعاً عن ابن بطة، عن الصفار، عن العباس بن معروف، عن حمّاد بن عيسيٰ «1».

و رواها الطبرسي في مجمع البيان مرسلًا «2».

و قال المجلسي الأوّل في قوله «و السهام الستة» و يمكن أن يقرأ بالنون أي السهام بالقرعة سنة ماضية من الأنبياء «3».

أقول: سياق الحديث يدلّ عليٰ بقاء مشروعية القرعة في الإسلام، و لا سيّما إذا لاحظنا ما رواه في الخصال: في وصيّة النبيّ (صلّي اللّٰه عليه و آله): يا عليّ إنّ عبد المطلب سنَّ في الجاهلية خمس سُنن، أجراها اللّٰه له في الإسلام، و عدّ منها ما ورد في جعله الدّية مائة من الإبل بسبب القرعة في

______________________________

(1) الفقيه: 3/ 89 ح 3388، الخصال: 156 ح 198 من باب الثلاثة، وسائل الشيعة: 18/ 189، ب 13 من أبواب كيفية الحكم ح 12.

(2) مجمع البيان: 2/ 291.

(3) روضة المتقين: 6/ 214. و في تفسير البرهان: 1/ 282 ذ ح 3 «و السهام ستة في ستة».

قاعدة القرعة، ص: 15

قصة عبد اللّٰه «1».

و مع ذلك الخبر و أمثاله لا نحتاج إليٰ استصحاب مشروعيّتها و إلقاء أنفسنا في دفع الشبهات، مع أنّ الأقويٰ عدم جريان استصحاب حكم قوم لقوم آخرين كما لا يخفيٰ.

و أورد بعض الأعلام أنّ ظاهر الرواية كون مريم أوّل من سوهم عليها و اقترع في حقّها. و كون مساهمة يونس بعدها، مع أن يونس بن متّي كما تشهد به التواريخ كان قبل مريم بمئات من السنين، ففي بعض التواريخ كان قبل ميلاد عيسيٰ ب 825 سنة …

و أجاب بقوله: و غاية ما يمكن أن يقال في حلّ هذا الإشكال أنّ المراد بالأوّلية تقدّم ذكرها في

القرآن الكريم، فإن قضيّة مساهمة مريم واردة في سورة آل عمران، و مساهمة يونس في سورة الصافات، فتأمّل «2».

أقول: و لو لا أمره بالتأمّل لقلنا: إنّ هذا الجواب لا يليق بشأنه كما لا يخفي.

فالحق في الجواب: أنّ ما ذكروه في تواريخ الأنبياء مأخوذ من تاريخ اليهود الكذّابين و قد صرّح بذلك العلّامة المجلسي (قدّس سرّه) في شرح الحديث «3». و الصحيح علي ما في هذا الحديث الشريف و غيره ما ذكره المورّخ الشهير الخاتون آبادي من أنّ يونس كان معاصراً لشعيا

______________________________

(1) الخصال: 312 ح 90 من باب الخمسة.

(2) القواعد الفقهية لآية اللّٰه مكارم الشيرازي: 1/ 348 349.

(3) روضة المتقين: 6/ 214.

قاعدة القرعة، ص: 16

و زكريّا «1».

و يمكن أن يكون يونس الذي كان عصره 825 سنة قبل الميلاد غير ما ذكره القرآن، و يؤيّد ذلك تعدّد مقابر يونس في ناحية الموصل، و في الكوفة، و في بيت المقدس، و الكلّ يسمّي مدفن يونس، و كثير من الإشكالات التاريخيّة ناشئة من الاشتراك في الأسماء، كما لا يخفي علي من أمعن النظر في التاريخ و قصص الأعيان.

وهم و دفع

يمكن أن يقال: إنّ حديث حمّاد مرسل لقوله (عمن أخبره). و الجواب أنّ الإرسال المذكور لا يضرّ بصحّة السند؛ لأنّ حماد بن عيسي من أصحاب الإجماع، مضافاً إليٰ أنّ الحديث منقول من كتاب حريز، و للصدوق إليٰ حريز طرق كثيرة ترتقي إليٰ خمس و عشرين صحيحة و أربع حسنة «2».

منها: ما صرّح به في المشيخة «و ما كان فيه عن حريز بن عبد اللّٰه، فقد رويته عن أبي رضي اللّٰه عنهما، عن عبد اللّٰه بن جعفر الحميري، عن محمد بن عيسي بن عبيد، و الحسن بن ظريف، و علي بن إسماعيل كلّهم،

عن حماد بن عيسي، عن حريز بن عبد اللّٰه «3».

و من الأخبار الواردة في إعمال القرعة في الأُمم السابقة ما رواه في

______________________________

(1) وقائع السنين و الأعوام للسيد عبد الحسين الخاتون آبادي: 12.

(2) روضة المتقين: 14/ 88.

(3) الفقيه: 4/ 425 و 443 المشيخة.

قاعدة القرعة، ص: 17

البحار عن ابن عبّاس في قصة يوسف بعد مجي ء إخوته إليه، و هم له منكرون إليٰ أن انجرَّ الأمر إليٰ إقراعهم؛ لأن يعيّن أحدهم للحبس عند يوسف، كي يرجعوا و يأتوا بأبيهم، فخرجت القرعة علي شمعون» «1».

و منها: ما رواه أيضاً في استخراج موسي (عليه السّلام) النمّام الذي كان في أصحابه بالقرعة.

3 عدم الاحتياج إلي الحقيقة الشرعيّة

بعد ما ثبت من رواج إعمال القرعة في الأُمم السابقة و الأديان الماضية بما يقرب ما كان مشروعاً عندنا لا وجه للقول بالحقيقة الشرعيّة لمفهوم القرعة؛ لعدم الاحتياج إليٰ جعل جديد و أساس بديع، فيحمل ما ورد في شرعنا إليٰ معناها المعهود عند العامة، و بعبارة أخري أنّ القرعة في شرعنا كانت من القواعد الإمضائية و ليست تأسيسية، نظير غالب المعاملات الدائرة عند العقلاء.

و كون القاعدة إمضائية لا ينافي دخالة الشارع في بعض خصوصياتها بأن يضيف إليٰ شروطها شيئاً أو ينقص منها شيئاً آخر، فعلي هذا إن كان لدليل الإمضاء عموم و إطلاق نتمسّك بهما في موارد الشّك، و إن لم يعمل بها العقلاء قبل ورود الشرع في تلك الموارد.

4 القرعة في المذاهب الأربعة

المستفاد من كتاب الخلاف و التذكرة في موارد عديدة مشروعية

______________________________

(1) بحار الأنوار: 12/ 257.

قاعدة القرعة، ص: 18

القرعة عند الشافعي و مالك و ابن حنبل، و أمّا أبو حنيفة فأنكرها و قال: القرعة قمار «1».

و شنّع ابن حزم في كتابه المحلي علي الحنفيّة حيث لم يجوّزوا القرعة فيمن أوصي بعتق رقيق لا يملك غيرهم استناداً إلي أنّها قمار و ميسر، مع ما ورد عن رسول اللّٰه (صلّي اللّٰه عليه و آله) العمل بها «2».

و في كتاب الفقه علي المذاهب الأربعة في مبحث حقّ القَسم للزوجات ما يظهر فيه استحباب الإقراع للزوج، إذا أراد السفر بإحدي زوجاته تطييباً لخاطرهنّ. و أمّا المالكية و الشافعية و الحنابلة فقالوا: بوجوبه في الجملة «3».

و في الموسوعة الفقهية الكويتية: «القرعة مشروعة باتّفاق الفقهاء، و قد تكون مباحة أو مندوبة أو واجبة أو محرّمة في أحوال سيأتي بيانها..».

ثمّ استدلوا لمشروعيتها بالكتاب و السنة: أما الكتاب فبقوله تعالي بما مرّ في قصة مريم

و يونس. و أمّا السنة فبما رواه أبو هريرة: «عرض النبيّ (صلّي اللّٰه عليه و آله) عليٰ قومٍ اليمين فأسرعوا، فأمر أن يسهم بينهم في اليمين أيّهم يحلف». و بما روي عن عائشة: «كان رسول اللّٰه (صلّي اللّٰه عليه و آله) إذا أراد سفراً أقرع بين نسائه» «4».

أقول: لا تنافي بين ما ذكرناه سابقاً من عباراتهم الدالة علي إنكار أبي حنيفة و بين ما في الفقه علي المذاهب الأربعة، و هكذا الموسوعة

______________________________

(1) ربيع الأبرار: 3/ 198.

(2) المحلّي بالآثار: 8/ 394 397.

(3) الفقه علي المذاهب الأربعة: 4/ 248.

(4) الموسوعة الفقهية: 33/ 137.

قاعدة القرعة، ص: 19

الكويتية الدالة علي المشروعية عند الحنفية، فإنّ ما ذكرناه سابقاً رأي أبي حنيفة نفسه، و هذه ناظرة إليٰ رأي الطائفة الحنفيّة.

و في نيل الأوطار للشوكاني، في شرح حديث عائشة: «استدل بذلك علي مشروعية القرعة بين الشركاء و غير ذلك، و المشهور عن الحنفية و المالكية عدم اعتبار القرعة» «1».

و صرّح الترمذي في الجامع الصحيح بعد نقله رواية عمران بن حصين في عتق الأنصاري: و العمل علي هذا عند بعض أهل العلم من أصحاب النبي (صلّي اللّٰه عليه و آله) و غيرهم. و هو قول مالك و الشافعي و أحمد و إسحاق، يرون استعمال القرعة في هذا و في غيره. و أمّا بعض أهل العلم من أهل الكوفة و غيرهم فلم يروا القرعة «2».

5 مسلكنا في نقل آراء العامّة و رواياتهم

اعلم أنّا ننقل آراء العامة و رواياتهم حتي يتبيّن المقصود من أخبار أئمتنا حيث إنّهم (عليهم السّلام) ابتلوا بهم، و كان كلامهم ناظراً إليٰ آرائهم ردّاً أو إثباتاً، و إلّا نحن بحمد اللّٰه في غني عنهم و عن أحاديثهم، فإنّ أحاديثنا الفقهية في خصوص كتاب وسائل الشيعة ما يزيد

علي ستة و ثلاثين ألف حديث، بينما أحاديثهم الفقهية في صحاحهم الستة، لا تزيد علي أكثر من خمسمائة حديث علي ما ادعاه بعض علمائنا عنهم «3».

______________________________

(1) نيل الأوطار: 6/ 218.

(2) الجامع الصحيح: 3/ 645 646.

(3) زهر الربيع: 308.

قاعدة القرعة، ص: 20

6 كلام لصاحب العناوين حول عمل الفقهاء بالقرعة و استقصاء مواردها

قال: و رابعها: الإجماع المحصّل من تتبّع الفتاوي، بحيث لا يبقيٰ فيه شكّ للفقيه في كون العمل بالقرعة من الأُصول الشرعيّة في المجهولات في الجملة، بل مطلقاً.

و لنذكر الموارد الّتي عملوا فيها بالقرعة باتّفاق منهم أو خلاف، حتّي ينكشف الأمر غاية الانكشاف:

فنقول: عمل بها الأصحاب:

في أئمّة الجماعة مع عدم المرجّح.

و في اشتباه القبلة عند ابن طاوس «4».

و في قصور المال عن الحجّتين الإسلامية و النذريّة.

و في إخراج الواحد من المحرمين للحج نيابةً.

و في اختلاف الموتي في الجهاد.

و في تزاحم الطلبة عند المدرّس و المستفتي، أو المترافعين إلي المجتهد مع عدم السابق.

و في القسمة.

و في التزاحم علي مباح أو مشترك كمعدن و رباط مع عدم قبوله القسمة.

و في المأذونين في شراء كلٍّ منهما صاحبه.

و في صورة تساوي بيّنتي الخارجين.

______________________________

(4) الأمان من إخطار الأسفار و الأزمان: 93 95.

قاعدة القرعة، ص: 21

و في تلف واحد من دراهم أحدهما لواحد و الباقي للآخر وديعة.

و في تنازع صاحب العلو و السفل في السقف المتوسّط و في الخزانة تحت الدرج.

و في بيّنتي المتزارعين إذا تعارضتا في المدة و الحصّة.

و في الوصيّة بالمشترك اللفظي، و بالثلث من العبيد أو العدد المبهم.

و في الوصيّة بما لا يسعه الثلث مع العلم بالترتيب و الشّك في السابق، أو مع الشك في السبق و الاقتران.

و في ابتداء قسمة الزوجات.

و في حقّ الحضانة.

و في عوز النفقة علي المنفق عليهم.

و في إخراج المطلّقة.

و في إخراج المشتبه مطلقاً

أو إذا مات و لم يعيِّن.

و في إخراج المنذور عتقه بقوله: «أول ما تلده» فولدت جماعة.

و في إخراج مقدار الثلث مع تعدّد المدبّر.

و في المتداعيين في الالتقاط أو في بنوة اللقيط، أو في الإقرار.

و في تساوي البيّنتين في اللقطة.

و في اشتباه موطوء الإنسان.

و في تعدد السيف و المصحف في الحبوة.

و في ميراث الخامسة مع المشتبهة بالمطلقة.

و في ميراث الخنثي في قولٍ، و من ليس له فرج علي الأشهر.

قاعدة القرعة، ص: 22

و غير ذلك مما يطلع عليه المتتبع «1». و لا يبقي مع ذلك شك في كونها متفقاً عليه في الجملة، و إنما البحث في عموم حجيّتها و ضبط موردها «2».

7 أقوال فقهائنا الإمامية (قدّس سرّهم)

اشارة

قد مرّ مشروعية القرعة عندنا و أنّها من الأصول المتلقاة، و لم يخالف فيها أحد من الأصحاب، و إنّما الاختلاف وقع في جزئيات المسألة، و المقصود من هذه المقدّمة بيان مرامهم و تفصيل كلامهم بمقدار المجال و ما يقتضيه الحال.

قد صرح بذلك شيخ الطائفة المحقّة أبو جعفر الطوسي في كتاب النهاية و المبسوط، و في كتاب العتق من الخلاف، و غير ذلك من أبواب كتبه الفقهية.

و قد صرّح بإجراء القرعة عند تعارض البيّنات و تعادلها. و بالرجوع إليها العلّامة في كتاب التذكرة و غيرها في مواضع عديدة.

و هكذا ابن إدريس صرّح بإجراء القرعة عند تعارض البينات مدعياً إجماع الأصحاب «علي أنّ كلّ أمر مشكل فيه القرعة».

و لكن أول من عنونها بعنوان قاعدة فقهية فيما رأيناه محمد بن مكي الملقب بالشهيد الأوّل المستشهد (786 ه) في قواعده، و المستفاد

______________________________

(1) و في كتاب جواهر الكلام علي ما أحصاه الكمبيوتر أزيد من مائة مورد وقع البحث فيها بالرجوع إلي القرعة (المعجم الفقهي لآية اللّٰه الگلپايگاني).

(2) العناوين: 1/ 349

350.

قاعدة القرعة، ص: 23

من كلامه عدم جريان القرعة في الإمامة الكبري، و جريانها في تساوي الحقوق و المصالح، و منها إخراج المعتق إذا لم يسع العتق تمامهم، و ردّ علي من زعم كون القرعة من القمار؛ لإقراع النبيّ (صلّي اللّٰه عليه و آله) بين أزواجه، و استعمالها في الشرائع السالفة «1».

و تبعه علي ذلك الفاضل المقداد السيوري (م 826) في كتاب نضد القواعد، و فسر كلامه بقوله: و إنّما مواردها في غير الإمامة الكبري، و هي أنواع:

1 [بين] أئمّة الصلاة عند الاستواء في المرجحات.

2 بين أولياء الميّت في تجهيزه مع الاستواء.

3 بين الموتي في الصلاة و الدفن مع الاستواء في الأفضليّة و عدمها.

4 بين المزدحمين في الصف الأول مع استوائهم في الورود.

5 في القعود في المسجد أو الموضع المباح.

6 في الحيازة و إحياء الموات.

7 في التقديم في الدعاوي و الدروس إلّا أن يكون فيهم مضطر بسفر و أمر.

8 بين الزوجات في السفر، و ابتداء القسمة لو سبق إليه الزوجات دفعة.

______________________________

(1) القواعد و الفوائد: 2/ 183 188 قاعدة 213.

أقول: تبيّن لي بعد الفحص أنّ العلّامة (أعلي اللّٰه مقامه) قد بحث عن القرعة في كتاب القواعد أربعين مورداً.

قاعدة القرعة، ص: 24

9 بين الموصي بعتقهم أو المنجّز من غير ترتيب.

10 عند تعارض البينتين.

11 تعارض الدعويين.

12 تخصيص الحصة بعد القسمة.

ثمّ قال: و لا يستعمل في العبادات في غير ما ذكرناه، و لا في الفتاوي و الأحكام المشتبهة إجماعاً «1».

مختار الشهيد الثاني

قال فخر الشهداء زين الدين بن علي العاملي المستشهد (965 ه) في كتاب تمهيد القواعد بذهاب السيد رضي الدين بن طاوس إلي الرجوع إلي القرعة عند التحيّر في القبلة استضعافاً لمستند وجوب الصلاة إلي الأربع، ثمّ قال: و هو حسن

حيث لا يمكن فعل المجموع، كما ذكر لتعذّر الصلاة إلي القبلة و ما في حكمها يقيناً، فيرجع إلي القرعة الواردة لكلّ أمر مشتبه … «2».

أقول: و ارتضاه صاحب العروة بقوله: لأنّها أحوط «3» و أوّل من فصّل المقال في هذا المجال فيما رأيناه السيد المحقّق المدقق مير عبد الفتاح الحسيني المراغي (م 1250) في كتاب «العناوين». و المستفاد من كلامه شمول القاعدة لما له تعيّن في الواقع كما في المعلوم بالإجمال،

______________________________

(1) نضد القواعد الفقهية: 534.

(2) تمهيد القواعد: 283.

(3) العروة الوثقيٰ: 1/ 411.

قاعدة القرعة، ص: 25

أو لا يكون له تعيّن كما في صور التزاحم علي المباحات و المشتركات مشروطاً بعدم طريق معتبر؛ لرفع الإشكال و الإعضال. و عليه تخرج عنها الشبهات الحكمية لوجود الأصول العملية، و هكذا الشبهات الموضوعية المصداقية، التي قامت عليها الطرق المعتبرة و القواعد الشرعية، فينحصر موردها بالشبهات الموضوعية المفهومية و المصداقية، إذا لم يتضح الحال، و لم تقم عليها أمارة من الأمارات المعتبرة، و قاعدة من القواعد المعتمدة من دون اختصاصها بمورد تزاحم الحقوق و دعاوي الخصوم «1». و كذلك المحقّق البارع و الفاضل الكامل المولي أحمد بن مهدي النراقي (م 1245) في كتاب عوائد الأيام «2».

و كلامه أعمّ من كلام المراغي؛ لأنّه جعل القرعة واردة علي أصل التخيير و الاحتياط العقليين، و هو مختارنا كما يأتي إن شاء اللّٰه.

مختار المحقق الأنصاري

قال المحقّق المتفكّر و المتدبّر المبتكر الشيخ الأعظم الأنصاري عند تعارض الاستصحاب مع القرعة: «القرعة واردة علي أصالة التخيير، و أصالتي الإباحة و الاحتياط، إذا كان مدركهما العقل، و إن كان مدركهما تعبد الشارع بهما في مواردهما، فدليل القرعة حاكم عليهما كما لا يخفيٰ، لكن ذكر في محلّه أنّ دليل القرعة لا

يعمل بها بدون جبر عمومها بعمل

______________________________

(1) العناوين: 1/ 355 357.

(2) عوائد الأيام: 663.

قاعدة القرعة، ص: 26

الأصحاب أو جماعة منهم «1».

أقول: ما ذكره من ورود القرعة علي أصالتي التخيير و الاحتياط العقليّين حسن كما يأتي، و أمّا ما ذكره من حكومتها عليهما إذا كانا شرعيين فلا يمكن المساعدة عليه؛ لعدم صدق الإشكال و الإعضال مع دليل شرعي علي الاحتياط و التخيير، و إطلاق كلامه يشمل التخيير العقلي في الشبهات الحكمية و الموضوعية علي وجه الإطلاق.

مختار صاحب الكفاية

قال المحقّق الخراساني عند تعارض الاستصحاب مع القرعة: يقدم الاستصحاب علي القرعة؛ لأخصيّة دليله من دليلها، لاعتبار سبق الحالة السابقة فيه دونها. و اختصاصها بغير الأحكام إجماعاً لا يوجب الخصوصية في دليلها بعد عموم لفظها لها، هذا مضافاً إليٰ وهن دليلها بكثرة تخصيصه حتي صار العمل به في موردٍ محتاجاً إليٰ الجبر بعمل المعظم، كما قيل … إليٰ أن قال: الظاهر من دليل القرعة أن يكون موردها من المشكل و المجهول و المشتبه بقول مطلق لا في الجملة «2».

مختار المحقّق النائيني

صرّح المحقق النائيني عليٰ ما في كلام مقرّر درسه: بأنّه يختصّ

______________________________

(1) فرائد الأُصول: 422.

(2) كفاية الأُصول: 2/ 493 494.

قاعدة القرعة، ص: 27

مورد القرعة بأطراف العلم الإجمالي، و لا تجري في الشبهات البدوية؛ لانصراف عنوان القرعة بذلك «1».

مختار سيد مشايخنا الخوئي

ذهب السيد الخوئي (أعلي اللّٰه مقامه) إليٰ أنّ المستفاد من الروايات اختصاص القرعة بما لم يعلم حكمه الشرعي واقعاً و ظاهراً، فالشبهات الحكميّة خارجة تخصّصاً؛ لأنّ المرجع فيها الأصول العملية. فالمورد الوحيد للقرعة الشبهات الموضوعية، التي لا يعلم حكمها الواقعي، و لا تجري فيها قاعدة من القواعد الظاهرية، كما إذا تداعي الاثنان في مال عند ثالث معترف بأنّه ليس له، و لم يكن له حالة سابقة، و مع ذلك لا بد أن يكون له تعيّن في الواقع، فلا يرجع إلي القرعة فيما لا تعيّن له إلّا ما قام الدليل علي جريانه «2».

مختار سيد الأحرار و محقّق الأبرار الإمام الراحل

و أمّا سيد أساتذتنا الإمام الخميني (قدّس سرّه)، فقد صرح بانحصار القرعة فيما يرجع إليٰ تزاحم الحقوق في خصوص الموضوعات، بلا فرق بين أن يكون لها واقع معيّن أم لا يكون كذلك «3»، و هو مختار شيخنا الأستاذ آية اللّٰه الفاضل مع توسعة نظره لما لا يكون له واقع معين «4» و يأتي

______________________________

(1) فوائد الأصول: 3/ 343.

(2) مصباح الأصول: 3/ 343.

(3) الرسائل: 2/ 346 و 352.

(4) القواعد الفقهية: 429.

قاعدة القرعة، ص: 28

ذلك فانتظر.

مختار شيخنا الحائري

المستفاد من مكتوباتنا من محاضراته في بحث الخمس، ورود أكثر أدلّة القرعة في موارد تزاحم الحقوق مع تقيدها بصورة الجهل ممّا له تعيّن في الواقع، إلّا أنّها تقدم علي قاعدة العدل و الإنصاف؛ لكونها أعدل من قاعدة العدل و الإنصاف.

8 تدوين كتب القواعد الفقهيّة في مذهب الإماميّة

لا ريب في تقدم الشيعة في تأسيس أكثر فنون الإسلام و تدوين قواعدها و هذا أمر تقتضيه طبيعة الحال؛ لأنّهم أتباع مولي كلّ مسلم و مسلمة، و أتباع من قال في حقّه النّبيّ الأعظم (صلّي اللّٰه عليه و آله): «أنا مدينة العلم و علي بابها» و هو أمير المؤمنين، إمام المتقين، يعسوب الدين علي بن أبي طالب (عليه السّلام) الذي قال اللّٰه تعاليٰ شأنه في حقّه:

قُلْ كَفيٰ بِاللّٰهِ شَهِيداً بَيْنِي وَ بَيْنَكُمْ وَ مَنْ عِنْدَهُ عِلْمُ الْكِتٰابِ «1».

و قال أيضاً خطاباً لبعض أزواجه (عائشة و حفصة):

إِنْ تَتُوبٰا إِلَي اللّٰهِ فَقَدْ صَغَتْ قُلُوبُكُمٰا وَ إِنْ تَظٰاهَرٰا عَلَيْهِ فَإِنَّ اللّٰهَ هُوَ مَوْلٰاهُ وَ جِبْرِيلُ وَ صٰالِحُ الْمُؤْمِنِينَ «2».

و قال النبيّ (صلّي اللّٰه عليه و آله) في حقّه أيضاً: «أقضاكم علي بن

______________________________

(1) الرعد: 43.

(2) التحريم: 4.

قاعدة القرعة، ص: 29

أبي طالب (عليه السّلام)» «1».. و «أنا دار الحكمة و علي بابها» «2».

و قال أيضاً: «من أراد أن ينظر إليٰ آدم في علمه، و إلي نوح في تقواه، و إلي إبراهيم في حلمه، و إلي موسي في هيبته، و إلي عيسي في عبادته، فلينظر إليٰ علي بن أبي طالب (عليه السّلام) «3».

و هو الذي اعترف الموافق و المخالف بغزارة علمه و كمال فضله، فالمروي عن عمر أنه قال مرّات: «لولا علي لهلك عمر» و قال الواقدي: إنّ عليّاً (عليه السّلام) كان من معجزات النبيّ (صلّي اللّٰه عليه و آله). و

صرّح ابن أبي الحديد: أنّه مصدر العلوم؛ لأنّ جميع العلوم مستند إليه، ففي الفقه جميع الفقهاء يرجعون إليه، أمّا الإماميّة فظاهر، و أما الحنفية فإنّ أصحاب أبي حنيفة أخذوا عنه و هو تلميذ الصادق (عليه السّلام)، و أمّا الشافعية فأخذوا عن الشافعي و هو قرأ عليٰ محمد بن الحسن تلميذ أبي حنيفة و عليٰ مالك فرجع فقهه إليهما، و أما أحمد بن حنبل فهو قرأ علي الشافعي، و أما مالك فقرأ علي ربيعة الرأي، و هو تلميذ عكرمة، و هو تلميذ ابن عباس، و هو تلميذ علي، و قرأ أيضاً علي الصادق (عليه السّلام)، و الكلّ ينتهي إليٰ مولانا أمير المؤمنين (عليه السّلام) «4».

ثمّ الذي ينبغي أن يلتفت إليه، أنّ أئمّة أهل البيت (عليهم السّلام) أعطوا أصحابهم أصولًا كليّة، و قواعد أصليّة، و شوّقوهم إليٰ تفريع الفروع و تكثير الغصون. كما روي البزنطي عن هشام بن سالم، عن أبي عبد اللّٰه (عليه السّلام) قال: «إنّما علينا أن نلقي عليكم الأصول و عليكم أن تفرعوا»، و عن أبي الحسن الرضا (عليه السّلام): «علينا إلقاء الأُصول و عليكم

______________________________

(1) 4) نهج الحقّ: 236 238.

(2)

(3)

(4)

قاعدة القرعة، ص: 30

التفريع» «1». و أمثال ذلك.

و علي ذلك المنوال قد أملوا علي أصحابهم قواعد الفقه و أصوله بما لا مزيد عليه مثل ما صدر عنهم من أخبار الاستصحاب و قاعدة الطهارة و الحلية و حديث الرفع، و ما ورد عنهم في الضرر و الحرج و سوق المسلمين و يدهم، و حمل عملهم و قولهم علي الصحة، و ما ورد في التجاوز و الفراغ و الضمانات و الإتلافات مما يسمّونه بالقواعد الفقهية.

و قد جمعها بعض المتأخرين و هو السيد الشريف هاشم بن زين العابدين

الموسوي الخوانساري المعروف به چهار سوقي و سمّاها ب «أصول آل الرسول»، في أربعة أجزاء، و صرّح بأنّ عدد أحاديثها يزيد علي أربعة آلاف «2». قال صاحب تأسيس الشيعة في حقّ هذا الكتاب: هو أحسن ما دوّن في قواعد الفقه و أُصوله «3».

و صنّف علي المنوال نفسه الشيخ الجليل محمد بن الحسن الحرّ العاملي كتاب الفصول المهمة في أصول الأئمّة، و نظيره ما صنّفه السيّد الخبير العلّامة السيّد عبد اللّٰه الشبّر و سمّاه الأصول الأصليّة، و ألّف علي ذلك النهج المحقّق الفيض الكاشاني كتاب الأُصول الأصيلة، فجزاهم اللّٰه خير الجزاء.

فعلي هذا ظهر أنّ أوّل من رام ذلك المضمار الأئمّة الأطهار (عليهم السّلام)،

______________________________

(1) الأُصول الأصيلة للفيض الكاشاني (قدّس اللّٰه سرّه): 66، الوسائل: 18/ 41 باب 4 من أبواب صفات القاضي ح 51 و 52.

(2) الذريعة: 2/ 177.

(3) تأسيس الشيعة: 310 و كذا في ريحانة الأدب: 2/ 192.

قاعدة القرعة، ص: 31

نعم تدوين تلك القواعد بأسلوب صناعي و تسميته بالقواعد الفقهية عند أصحابنا الإماميّة مما ابتكره علي ما بأيدينا محمد بن مكي «الشهيد الأول» و بعده تلميذه الفاضل المقداد بن عبد اللّٰه السيوري و سماه نضد القواعد الفقهية علي مذهب الإمامية و هو تحرير قواعد الشهيد، و بعده الشهيد الثاني ألّف كتابه تمهيد القواعد. و بعدهما جاء علي ذلك المنوال جمع من مشايخنا العظام مثل كتاب العناوين للسيد المحقّق المير عبد الفتاح المراغي (م 1250) و المحقّق النراقي (م 1245).

و أدرج جمعاً منها الشيخ الكبير النجفي كاشف الغطاء في الفصل الثاني من كشف الغطاء.

و ألّف السيد النبيل السيد حسن البجنوردي كتاباً في القواعد الفقهية في سبعة أجزاء مجموعها سبعون قاعدة، و ألّف شيخنا الأستاذ آية اللّٰه الفاضل اللنكراني

كتاباً كبيراً في عشرين قاعدة منها، و دوّن آية اللّٰه المكارم كتابه القواعد الفقهية في ثلاثين قاعدة، و غيرهم من الأعلام وفّقهم اللّٰه لإعلاء كلمة الإسلام.

9 نظرة إجمالية حول الروايات الواردة في القرعة

قال المحقّق النراقي: و أمّا السنّة فكثيرة جدّاً مذكورة في أبواب متفرّقة بل بالغة حدّ التواتر معنيً، ثمّ أورد ستّة و أربعين حديثاً «1».

______________________________

(1) عوائد الأيّام: 640 651.

قاعدة القرعة، ص: 32

أقول: أورد صاحب الوسائل ما يقرب من 63 حديثاً «1».

و أورد صاحب مستدرك الوسائل في خصوص باب 12 من أبواب كيفية الحكم 15 حديثاً.

فالمجموع ما يقرب 78 حديثاً «2».

و أورد البخاري في كتابه الصحيح 7 أحاديث.

و أورد أحمد بن حنبل في مسنده ما رواه البخاري مع روايات أُخري سيأتي ذكرها إن شاء اللّٰه.

10 ما ورد في الروايات من العناوين الكلية

أقول: ورد في بعض الروايات عنوان: القرعة في كلّ أمر مجهول.

و في بعضها عنوان: القرعة لكلّ أمر مشكل.

و في بعضها عنوان: القرعة سنة.

و في بعضها عنوان: و تلك من المعضلات.

و في بعضها عنوان: المشتبه و الملتبس.

ثمّ خصّ بعض المحققين عنوان المجهول فيما كان له واقع معيّن كما في الغنم الموطوءة. و المشكل فيما لم يكن له واقع معيّن، و حيث ادعي عدم الظفر برواية «القرعة لكلّ أمر مشكل» خصّها بما يكون له واقع معين «3».

______________________________

(1) يأتي تفصيله في الصفحة 37.

(2) هذا مع قطع النظر عن أحاديث الاستخارة، و مع النظر إليها يزيد العدد كثيراً.

(3) راجع مصباح الأُصول بحث تقدّم الاستصحاب علي القرعة.

قاعدة القرعة، ص: 33

و الحقّ عدم الدليل عليٰ ذلك الاصطلاح؛ و لذلك تري قدماء الأصحاب يطلقون المجهول عليٰ ما لا واقع معيّن له، و المشكل عليٰ ما له واقع معيّن، فهذا شيخ الطائفة في كتاب الخلاف «1» فيما اشتبه المكاتب المؤدّي مال الكتابة بمن لا يؤدّي شيئاً منه، يقول باستخراج المؤدّي بالقرعة؛ لأنّها لكل أمر مشكل. و هذا الشهيد الأول يصرّح في القواعد باستخراج المعتق بالقرعة عند الوصية بكلّ مماليكه؛ لأنّها

لكلّ أمر مجهول «2».

فالمراد من المشكل و المجهول و المشتبه و المعضل و الملتبس واحد، و هو كلّ ما كان فيه تحيّر مستقرّ و تردّد مستمر، و لا سبيل إليٰ رفعها من الشرع و العقل كان له واقع معيّن أم لا «3». صرّح بما ذكرناه الفاضل المراغي و غيره من الأعيان.

و قول ابن إدريس في السرائر تبعاً للشيخ في النهاية: «و كلّ أمر مشكل مجهول يشتبه الحكم فيه ففيه القرعة».

لعلّه ناظر إليٰ ذلك حيث جمع بين العناوين الواردة و جعل كلّاً منها توضيحاً للآخر كما هو ظاهر الكلام.

و المراد بقوله (عليه السّلام) في بعض الروايات: «إنّ القرعة سنة» هي

______________________________

(1) الخلاف: 6/ 399 مسألة 24.

(2) القواعد و الفوائد: 183 قاعدة 213.

(3) أقول: الحقّ تعلّق الجهل في تمام الموارد، و ذلك لأنّ متعلق الجهل قد يكون عنواناً فقهيّا. كالغنم الموطوءة و مالك الأموال، و قد يكون أمراً آخر و هو الأحق بالمال و الأصلح في الأفعال، كموارد القسمة و نحوها ممّا لا يكون لها واقع فقهي، فالمجهول فيها انّما يكون الأحق و الأصلح، و هو ثابت معيّن عند اللّٰه.

قاعدة القرعة، ص: 34

الطريقة الثابتة و القانون الراسخ، و هي في معني العموم و يتمسك بها في موارد الشك كما اختاره بعض مشايخنا العظام في الدرس.

11 حول حديث «القرعة لكلّ أمر مشكل»

قال بعض الأعاظم: الحقّ أنّه ليس في عناوين الأدلة من عنوان «المشكل» عين و أثر «1».

أقول: و هو منه عجيب. فاسمع لما أذكره:

1 قال الشيخ الطوسي في كتاب الخلاف: إذا كان له مكاتبان كاتبهما بقيمة واحدة فأدّي أحدهما ألفاً ثمّ أشكل عليه عين المؤدَّي منها أُقرع بينهما، فمن خرجت قرعته حكم له بالأداء و بقي الآخر مكاتباً … دليلنا: إجماع الفرقة و أخبارهم

علي أنّ كلّ مشكل فيه قرعة، و هذا من جملة ذلك «2».

2 قال العلّامة حسن بن يوسف بن مطهر الحلي في كتاب تذكرة الفقهاء في مسألة ازدحام الاثنين علي لقيط واحد: و إن تشاحّا أُقرع بينهما؛ لأنه أمر مشكل، لعدم إمكان الجمع بينهما و عدم أولويّة أحدهما، و كلّ مشكل ففيه القرعة بالنصّ عن أهل البيت (عليهم السّلام) «3».

3 و قال المولي محمد تقي المجلسي في روضة المتّقين: و روي مستفيضاً عن النبيّ (صلّي اللّٰه عليه و آله): أنّ كلّ مشكل فيه القرعة «4».

______________________________

(1) القواعد الفقهية لآية اللّٰه مكارم: 1/ 357.

(2) الخلاف: 6/ 399 مسألة 24.

(3) تذكرة الفقهاء: 3/ 271.

(4) روضة المتقين: 6/ 215.

قاعدة القرعة، ص: 35

4 و في المستدرك عن الدّعائم، عن أمير المؤمنين و أبي جعفر و أبي عبد اللّٰه (عليهم السّلام) أنّهم أوجبوا الحكم بالقرعة فيما أشكل «1».

و قال أبو عبد اللّٰه (عليه السّلام): أيّ حكم في الملتبس أثبت من القرعة «2»؟

و قال الشيخ في النهاية: و كلّ أمر مشكل مجهول يشتبه الحكم فيه، فينبغي أن تستعمل فيه القرعة «3».

أقول: الظاهر كونه رواية أفتي بمضمونها، فإنّ الأحكام المذكورة في النهاية من الأصول المتلقاة عن المعصومين (عليهم السّلام).

و قال صاحب العناوين: و يدلُّ علي ذلك ما ينقلونه بطريق العامة: «و أنّ القرعةَ لكلّ أمر مشتبه» كما في رواية، أو «لكلّ أمر مشكل» كما في أُخري «4».

و عنون البخاري بابها «القرعة في المشكلات» «5».

و قال ابن إدريس في السرائر: و كلّ أمر مشكل مجهول يشتبه الحكم فيه، فينبغي أن يستعمل فيه القرعة؛ لما روي عن الأئمّة الأطهار (عليهم السّلام) و تواترت به الآثار، و أجمعت عليه الشيعة الإماميّة «6».

______________________________

(1) مستدرك الوسائل: 17/ 373، أبواب

كيفية الحكم، ب 11 ح 1.

(2) مستدرك الوسائل: 17/ 374، أبواب كيفية الحكم، ب 11 ح 2.

(3) النهاية: 345 346.

(4) العناوين: 1/ 351.

(5) صحيح البخاري: 3/ 218.

(6) السرائر: 2/ 173.

قاعدة القرعة، ص: 36

12 روايات القرعة في صحيح البخاري

نحن نذكّر ما أورد البخاري في صحيحه بحذف الإسناد قال البخاري في كتاب الشهادات باب القرعة في المشكلات «7»:

1 قال أبو هريرة: عرض النبيّ (صلّي اللّٰه عليه و آله) عليٰ قوم اليمين فأسرعوا، فأمر أن يسهم بينهم في اليمين أيّهم يحلف.

2 قال النبيّ (صلّي اللّٰه عليه و آله): مَثَل المدهن في حدود اللّٰه و الواقع فيها مثل قوم استهموا سفينة فصار بعضهم في أسفلها و صار بعضهم في أعلاها، فكان الذي في أسفلها يمرّون بالماء علي الذين في أعلاها …

3 عن أُمّ العلاء من نساء الأنصار أنّ عثمان بن مظعون طار له سهمه في السكني حين أقرعت الأنصار سكني المهاجرين..

4 بإسناده عن عائشة: أنّ النبيّ (صلّي اللّٰه عليه و آله) إذا أراد سفراً أقرع بين نسائه فأيّتهنّ خرج سهمها خرج بها معه..

5 بإسناده عن أبي هريرة: أنّ رسول اللّٰه (صلّي اللّٰه عليه و آله) قال: لو يعلم الناس ما في النداء و الصف الأوّل، ثمّ لم يجدوا إلّا أن يستهموا عليه لاستهموا.. «8».

6 و قال في كتاب الصلاة: و يذكرون أنّ أقواماً اختلفوا في الأذان، فأقرع بينهم سعد «9».

______________________________

(7) عقد الباب بما ذكر، و لكن الروايات الواردة في الباب لا تكون بعنوان المشكل كما تري.

(8) صحيح البخاري: 3/ 218 219.

(9) صحيح البخاري: 1/ 172 باب الاستهام في الأذان.

قاعدة القرعة، ص: 37

13 روايات القرعة في مسند أحمد بن حنبل

7 حديث عمران بن حصين، و فيه أنّ رجلًا أعتق ستة مملوكين له عند موته، و لم يكن له مال غيرهم، فدعا بهم رسول اللّٰه (صلّي اللّٰه عليه و آله) فجزّأهم أثلاثاً، ثمّ أقرع بينهم، فأعتق اثنين و أرقّ أربعة «10».

8 حديث زيد بن أرقم: كان علي (عليه السّلام) باليمن، فاتي بامرأة وطأها ثلاثة

نفر … فألزم الولد الذي خرجت عليه القرعة.

9 لما قدم رسول اللّٰه (صلّي اللّٰه عليه و آله) المدينة، اقترع الأنصار أيّهم يأوي رسول اللّٰه (صلّي اللّٰه عليه و آله) فقرعهم أبو أيّوب، فآوي رسول اللّٰه (صلّي اللّٰه عليه و آله) «11».

10 عن الزبير في غزوة أُحد، جاءت أُمّي صفيّة بكفنين لأخيها حمزة، فإذا قتيلٌ في جنبه قد فعل به ما فعل بحمزة، فوجدنا غضاضة و حياءً أن نكفّن حمزة في ثوبين و الأنصاري لا كفن له، فقلنا: لحمزة ثوب و للأنصاري ثوب، فلمّا كان أحد الكفنين أكبر من الآخر، فاقترعنا بينهما، فكفّنا كلّ واحد في الثوب الذي صار له «12».

14 فهرس روايات القرعة في كتاب وسائل الشيعة

1 ج 2 ص 589، أبواب الحيض الباب 41 الحديث 5.

2 ج 3 ص 265، أبواب لباس المصلّي ب 10 ح 12.

______________________________

(10) مسند أحمد: 4/ 431. و رواه الترمذي في الجامع الصحيح: 3/ 645 ح 1368 نحوه. و قال: إنّه قول مالك و الشافعي و أحمد.

(11) مسند أحمد: 5/ 414.

(12) مسند أحمد: 1/ 165. أقول: و يأتي نظيره في نقل ابن طاوس في كتاب الأمان من إخطار الأسفار و الأزمان: 95 96.

قاعدة القرعة، ص: 38

3 ج 3 ص 399، أبواب أحكام الملابس ب 51 ح 2.

4 ج 5 ص 220، أبواب بقية الصلوات المندوبة ب 11 ح 1.

5 ج 8 ص 617، أبواب أحكام العشرة ب 164 ح 5.

6 ج 9 ص 330، أبواب مقدّمات الطواف ب 11 ح 11.

7 ج 11 ص 87، أبواب جهاد العدو ب 41 ح 13.

8 ج 11 ص 88، أبواب جهاد العدو ب 41 ح 14.

9 ج 13 ص 46، أبواب بيع الحيوان ب 18 ح 2.

10 ج 13

ص 427، كتاب الوصايا ب 43 ح 1.

11 ج 13 ص 464، كتاب الوصايا ب 75 ح 1.

12 ج 14 ص 566 567 ب 57، خمسة أحاديث ح 1 5.

13 ج 16 ص 37، كتاب العتق ب 34 ح 1.

14 ج 16 ص 58 59، كتاب العتق ب 57، ثلاثة أحاديث ح 1 3.

15 ج 16 ص 65، كتاب العتق ب 65 ح 1 و 2.

16 ج 16 ص 358، كتاب الأطعمة و الأشربة ب 30 ح 1.

17 ج 16 ص 359، كتاب الأطعمة و الأشربة ب 30 ح 4.

18 ج 17 ص 471، أبواب ميراث الأبوين و الأولاد ب 20 ح 7.

و ج 17 ص 498، أبواب ميراث الاخوة و الأجداد ب 9 ح 4.

19 ج 17 ص 571، أبواب ميراث ولد الملاعنة ب 10 ح 1.

20 ج 17 ص 579 581، أبواب ميراث الخنثي ب 4، خمسة أحاديث ح 1 5.

21 ج 17 ص 592 594، أبواب ميراث الغرقي و المهدوم

قاعدة القرعة، ص: 39

عليهم ب 4، خمسة أحاديث ح 1 5.

22 ج 18 ص 183 187، أبواب كيفية الحكم ب 12، سبعة أحاديث [ح 5 و 6 و 7 و 8 و 11 و 12 و 15].

23 ج 18 ص 187 192، أبواب كيفية الحكم ب 13، اثنان و عشرون حديثاً ح 1 22.

ثمّ ظفرنا بما رواه العلّامة في كتابه «نهج الحقّ» فجعلته في خاتمة الروايات.

قال في شأن نزول سورة «العاديات»: أقسم اللّٰه تعاليٰ بخيل جهاده في غزوة السلسلة لما جاء جماعة من العرب، و اجتمعوا عليٰ وادي الرملة؛ ليُبيِّتوا علي النبي (صلّي اللّٰه عليه و آله) بالمدينة، فقال النبي (صلّي اللّٰه عليه

و آله) لأصحابه: من لهؤلاء؟ فقام جماعة من أهل الصفّة، فقالوا: نحن، فولِّ علينا من شئت. فأقرع بينهم، فخرجت القرعة عليٰ ثمانين رجلًا منهم إلي أن قال ثم طلب أمير المؤمنين (عليه السّلام)، و بعثه إليهم و دعا له و شيّعه إلي مسجد الأحزاب، و أنفذ معه جماعة منهم أبو بكر و عمر و عمرو بن العاص الي أن قال: و كبس علي القوم الفجر فأخذهم، فأنزل اللّٰه تعالي وَ الْعٰادِيٰاتِ ضَبْحاً «1».

أقول: نزول سورة «العاديات» في شأن مولانا أمير المؤمنين ممّا صرّح به أصحاب الآثار و رواه نقلة الأخبار.

______________________________

(1) نهج الحقّ: 193 194، و رواه شرف الدين الأسترآبادي في تأويل الآيات الظاهرة: 809 810.

قاعدة القرعة، ص: 40

قال الشيخ الجليل الأقدم محمّد بن محمّد بن النعمان المفيد: و قد ذكر كثير من أصحاب السير أنّ في هذه الغزوة أي غزوة السلسلة نزل علي النبي (صلّي اللّٰه عليه و آله)، وَ الْعٰادِيٰاتِ ضَبْحاً «1».

و أورد أصحابنا الإمامية روايات كثيرة كلّها تدلّ عليٰ ذلك، فراجع تفسير البرهان و تفسير الصافي و بحار الأنوار و كتاب تأويل الآيات و تفسير القمّي حتّي يتبيّن لك الحقّ.

و في زيارته الواردة في مولد رسول اللّٰه (صلّي اللّٰه عليه و آله)، التي رواها المفيد و الشهيد و السيّد عن الصادق (عليه السّلام): «السلام عليك يا من نزلت في فضله سورة العاديات».

و العجب بعد ذلك من بعض المعاصرين، حيث قال تبعاً لأهل الخلاف و اعتماداً لبعض الأخبار المجعولة بأنّ السورة مكّية «2»، و لم يتفطّن أنّ فيه إنكار منقبة عظيمة لمولانا أمير المؤمنين (عليه السّلام).

______________________________

(1) الإرشاد: 1/ 113 و 117 و كذا قال الإربلي في كشف الغمّة: 1/ 230.

(2) التمهيد: 1/ 128، نقلًا

عن الدرّ المنثور و تفسير الطبري.

قاعدة القرعة، ص: 41

الباب الثاني: قاعدة القرعة

اشارة

بقلم الأستاذ سماحة آية اللّٰه العظمي الشيخ محمّد الفاضل اللنكراني (دام بقاؤه) مع تذييلاتٍ منّا قال مدّ ظلّه العالي:

قاعدة القرعة، و هي أيضاً من القواعد الفقهية المشهورة، التي تترتّب عليها ثمرات كثيرة، و قد وقع الإشكال و الخلاف في سعة دائرتها و ضيقها، و منشأه الإشكال فيما يستفاد من الأدلّة الواردة فيها، و تحقيق البحث في هذه القاعدة يستدعي التكلّم في مقامات:

المقام الأوّل: في مدركها و مستندها، و هو أمور:

الأوّل: الكتاب،

فقد ورد فيه حكاية المساهمة في موردين:

أحدهما: ما ورد في قصة النبيّ يونس من قوله تعاليٰ

قاعدة القرعة، ص: 42

فَسٰاهَمَ فَكٰانَ مِنَ الْمُدْحَضِينَ «1»، و قد ورد في الأخبار الاحتجاج عليٰ شرعيّة القرعة بهذه الآية، و المراد بالمساهمة: المقارعة، و بكونه من المدحضين صيرورته معلوماً بالقرعة ممتازاً عن غيره، و أصل الدحض: الزلق، و الإدحاض: الإزالة و الإبطال، و أصل المعني كما عن المجمع «2»: صار من المقروعين المغلوبين المقهورين.

و كيفية الواقعة علي ما في الخبر أنّه لما وعد قومه بالعذاب، خرج من بينهم قبل أن يأمره اللّٰه تعالي به، فركب في السّفينة، فوقفت السّفينة، فقالوا: هنا عبد آبق من مولاه، فأقرعوا، فخرجت القرعة عليٰ يونس، فرمي بنفسه في الماء، فالتقمه الحوت.

و دعوي أنّه لا دلالة للآية علي المشروعية؛ فإنّ غاية مفادها الحكاية، و هي أعمّ من المشروعيّة، مدفوعة مضافاً إليٰ ما عرفت من أنّه ورد في الأخبار الاحتجاج علي شرعية القرعة بهذه الآية بأنّه لا مجال للمناقشة في دلالة الآية عليٰ قبول يونس للمقارعة، لو لم نقل بأنّ ظاهرها تصدي نفسه لها، و القبول إن كان منشؤه كونه أمراً تعبديّاً جاء به يونس، فمقتضي الاستصحاب عند الشك في البقاء بقاؤه في هذه

______________________________

(1) سورة الصّافات: 141.

(2) مجمع البيان: 8/ 293.

قاعدة القرعة، ص: 43

الشريعة؛ لما

تقرّر في محلّه من جريان استصحاب أحكام الشرائع السابقة، و إن كان منشؤه كونه أمراً عقلائيّاً كما هو الظاهر، و قد أمضاه النّبي يونس، فاللّازم ثبوته في هذه الشريعة لهذه الجهة، كما لا يخفي.

ثانيهما: ما ورد في قصة التخاصم في تكفّل مريم و اقتراعهم عليٰ ذلك من قوله تعاليٰ: وَ مٰا كُنْتَ لَدَيْهِمْ إِذْ يُلْقُونَ أَقْلٰامَهُمْ أَيُّهُمْ يَكْفُلُ مَرْيَمَ «1».

و كيفية الواقعة إنّ زكريا (عليه السّلام) قال لهم: أنا أحقّ بمريم، أي من جهة التكفّل؛ لأنّ عندي خالتها، قالوا: لا، حتي نقرع عليها، فانطلقوا إلي نهر الأردن، فألقوا فيه أقلامهم، التي كانوا يكتبون بها الوحي، علي أنّ من ارتفع قلمه فوق الماء فهو أحقّ بها، و قيل: إنّ أقلامهم كانت من الحديد، فألقوا أقلامهم ثلاث مرّات، و في كلّ مرّة يرتفع قلم زكريّا و ترسب أقلامهم، و المناقشة في دلالة الآية علي المشروعية مدفوعة بما عرفت في الآية الأُوليٰ.

الثاني: الروايات، و هي عليٰ ثلاث طوائف:

الطائفة الأُوليٰ: ما يستفاد منها العموم

في جميع الموارد، مثل ما رواه الشيخ عن محمد بن حكيم «2»، قال: سألت

______________________________

(1) سورة آل عمران: 44.

(2) قوله دام ظله عن محمد بن حكيم، أقول: في الوسائل بعد قوله: عن محمد بن حكيم (محمد بن حكم) الدال علي اختلاف النسخة هذه، و لمّا كان محمد بن حكم مجهولًا حاله، يصير الحديث مردّداً بين المعتبر و الضعيف، و لكن صاحب الوافي نقل الحديث عن التهذيب و الفقيه عن محمد بن حكيم من دون الإشارة إلي الاختلاف فيرفع الإجمال، فيكون الحديث قوياً يصلح للاستدلال.

قاعدة القرعة، ص: 44

أبا الحسن (عليه السّلام) عن شي ء، فقال لي: كلّ مجهول ففيه القرعة، قلت له: إنّ القرعة تخطئ و تصيب، قال: ما حكم اللّٰه به فليس بمخطئ «1». و رواه الصدوق بطريقين

صحيحين عنه «2».

و يظهر من الشيخ في كتاب النهاية «3» الاعتماد عليٰ هذه الرواية، بل و صدور مضمونها من غير أبي الحسن (عليه السّلام)، أيضاً، و كذا يظهر منه الاعتماد عليها في كتاب الخلاف «4»، و كذا من الحلّي في السرائر «5» و الشهيد في القواعد «6» مع اختلاف في التعبير، مضافاً إلي أنّ الظاهر أنّ محمد بن حكيم هو الخثعمي، الذي لا تبعد دعوي وثاقته؛ لكونه صاحب الأصل، و لكثرة نقل المشايخ، بل أصحاب الإجماع عنه، و لو كان في الرواية ضعف، فهو منجبر بعمل الأصحاب و اعتمادهم عليها، و ليس في طرقنا ما يستفاد منه العموم غير هذه

______________________________

(1) الوسائل: 18/ 189 ب 13 من أبواب كيفية الحكم ح 11.

(2) الفقيه: 3/ 92 ح 3389.

(3) النهاية: 346.

(4) الخلاف: 6/ 338 مسألة 10.

(5) السرائر: 2/ 173.

(6) القواعد و الفوائد: 2/ 183.

قاعدة القرعة، ص: 45

الرواية «1»، لكن سيأتي التحقيق في مفادها فانتظر. و كالروايتين العامّيتين: «القرعة لكلّ أمر مشكل» و «القرعة لكلّ أمر مشتبه»، و عن الحلّي دعوي الإجماع علي أنّ كلّ مشكل فيه القرعة، و نقل عنه أيضاً أنّه قال في باب سماع البيّنات: «و كلّ أمر مشكل يشتبه فيه الحكم، فينبغي أن يستعمل فيه القرعة؛ لما روي عن الأئمّة (عليهم السّلام) و تواترت به الآثار، و أجمعت به الشيعة الإماميّة» «2».

و ما رواه في المستدرك عن دعائم الإسلام، عن أمير

______________________________

(1) قوله: و ليس في طرقنا ما يستفاد منه العموم غير هذه الرواية.

أقول: ليس الأمر علي ما ذكره، و ذلك لما ذكره العلّامة في التذكرة: و قد روي علماؤنا عن أهل البيت (عليهم السّلام): «كلّ أمر مشكل ففيه القرعة» (تذكرة الفقهاء كتاب اللقطة). و في

عوالي اللئالي نقل عن أهل البيت: «كلّ أمر مشكل فيه القرعة» (عوالي اللئالي: 2/ 112). و في كتاب روضة المتّقين: 6/ 215. روي مستفيضاً عن النبي (صلّي اللّٰه عليه و آله): «إنّ كلّ مشكل فيه القرعة».

و يدلُّ علي البحث أيضاً: صحيحة سيابة و إبراهيم بن عمر عن أبي عبد اللّٰه (عليه السّلام) في رجل قال: أول مملوك أملكه فهو حرّ، فورث ثلاثة، قال: يقرع بينهم فمن أصابه القرعة أعتق، قال: و القرعة سنّة (وسائل الشيعة: 18/ 187 باب 13 من أبواب كيفية الحكم ح 2). و السنة في هذه الرواية كما صرّحوا القانون العام. و مثلها في الدلالة علي العموم ما يأتي عن الاختصاص من قوله (عليه السّلام): «و تلك من المعضلات» فإنّه يدل علي أنّ القرعة تجري في كلّ معضل.

قوله: و كالروايتين العاميتين، أقول: الظاهر كون هذا الكلام اشتباه، و ذلك لعدم العثور علي ذلك في كلمات العامة.

(2) السرائر: 2/ 170 و 173.

قاعدة القرعة، ص: 46

المؤمنين و أبي جعفر و أبي عبد اللّٰه (عليهم السّلام) أنهم أوجبوا الحكم بالقرعة فيما أشكل، قال أبو عبد اللّٰه (عليه السّلام): «و أيّ حكم في الملتبس أثبت من القرعة؟ أَ ليس هو التفويض إلي اللّٰه جلّ ذكره؟» ثمّ ذكر قصة يونس و مريم و عبد المطلب» «1».

و ما رواه فيه أيضاً عن الشيخ المفيد (قدّس سرّه) في الاختصاص عن أحمد بن محمد بن عيسي، عن الحسين بن سعيد و محمد ابن خالد البرقي، عن النضر بن سويد، عن عيسيٰ بن عمران الحلبي، عن عبد اللّٰه بن مسكان، عن عبد الرحيم، قال: سمعت أبا جعفر (عليه السّلام) يقول: إنّ عليّاً (عليه السّلام) كان إذا ورد عليه أمر لم يجي ء

فيه كتاب و لم تجئ به سنّة، رجم فيه يعني ساهم فأصاب، ثمّ قال: يا عبد الرحيم و تلك من المعضلات «2».

الطائفة الثانية: ما يستفاد منه العموم

في الجملة «3»، ككثير

______________________________

(1) مستدرك الوسائل: 17/ 373 374 ب 11 من أبواب كيفيّة الحكم ح 1.

(2) الاختصاص: 310.

(3) قوله: في الجملة، أقول: هذه الروايات واردة لبيان أهمية القرعة، و أمّا تعيين موردها فليست بصدد بيانه كما لا يخفي، و فيه ما يأتي في ص 425:

ثمّ يمكن الاستدلال لعموم قاعدة لكلّ أمر مشكل سواء كان له واقع مجهول أم لا بوجوه:

منها: قوله في معتبرة محمد بن حكيم «كلّ مجهول ففيه القرعة» لأنّ الرواية تشمل كلّاً منهما؛ أمّا الأول فواضح، و أمّا الثاني فلأنّ ما لا واقع له من حيث العنوان و إن لم يكن مجهولًا من هذه الجهة، و لكنه مجهول من حيث المصلحة و الاستحقاق و الأولوية، كما في الاستخارات، ففي تقسيم المشترك نطلب الأولوية و الاستحقاق، و هما معلومتان عند اللّٰه و مجهولتان لنا، و هكذا في إعطاء الجوائز و نحوها.

و منها: ما مرّ من قول أهل البيت (عليهم السّلام) من أنّ القرعة لكلّ مشكل.

و منها: ما مرّ من قول الصادق (عليه السّلام) من كون «القرعة سنّة».

و منها: الموارد العديدة المتفرقة في الأبواب المختلفة، كما يأتي ذكرها في المتن، فإنّها تدل علي أنّ القرعة أصل، و ضابطة لكلّ مشكل و معضلٍ، كان لها واقع أم لا.

و منها: بناء العقلاء علي إجراء القرعة في كلّ منهما، و عدم ردع الشارع عن شي ء منها الكاشف عن إمضائها.

و منها: ما يدلّ علي أنّ المدارَ كون المورد من المعضلات. إلي غير ذلك من الوجوه العامة.

قاعدة القرعة، ص: 47

من الروايات الواردة في القرعة، التي نقل أكثرها

في الوسائل في الباب (12 و 13) من أبواب كيفية الحكم، و في المستدرك في الباب (11) من تلك الأبواب، مثل ما ورد في ذيل صحيحة أبي بصير برواية الصدوق من قول النبيّ (صلّي اللّٰه عليه و آله): ليس من قوم تقارعوا ثمّ فوّضوا أمرهم إلي اللّٰه عزّ و جلّ إلّا خرج سهم المحقّ «1»، و قريب منه ما عن أمير المؤمنين (عليه السّلام) في ذيل رواية

______________________________

(1) الوسائل: 18/ 188 ب 13 من أبواب كيفية الحكم ح 6.

قوله: ليس من قوم تقارعوا … الإنصاف استفادة العموم من هذه الروايات، و ذلك لاشتمالها علي أداة العموم من وقوع النكرة في سياق النفي، و لفظ أيّ و أمثالهما و ما ذكرناه سابقاً من سوق الروايات لبيان أهمية القرعة، فلا يكون ناظراً إلي مواردها، فلا يكون لها عموم و شمول مختصّ بالمطلقات، و لا يشمل العمومات كما لا يخفيٰ. نعم مقتضي قولهم (عليهم السّلام): «أي قضية أعدل من القرعة؟» و قولهم «أيما قوم تقارعوا» اختصاصها بباب الدعاوي و تزاحم الحقوق، و لعلّ كلام شيخنا الأستاذ (مد ظلّه) ناظر إلي هذا الوجه كما لا يخفيٰ.

قاعدة القرعة، ص: 48

العباس بن هلال «2» و مرسلة الصدوق عن الصادق (عليه السّلام) «3» و مرسلة فقه الرضا عنه «4» (عليه السّلام) قال: أي قضية أعدل من القرعة، إذا فوّض الأمر إلي اللّٰه؟ أَ ليس اللّٰه يقول: فَسٰاهَمَ فَكٰانَ مِنَ الْمُدْحَضِينَ؟ و كذا رواية البرقي «5».

الطائفة الثالثة: الروايات الواردة في موارد خاصّة،

و هي كثيرة:

منها: ما إذا تعارضت البيّنتان و كان المرجّح مفقوداً، ففي صحيحة داود بن سرحان برواية الصدوق عن أبي عبد اللّٰه (عليه السّلام) في شاهدين شهدا عليٰ أمر واحد، و جاء آخران فشهدا عليٰ غير الذي شهدا

عليه، و اختلفوا. قال: يقرع بينهم، فأيّهم قرع عليه اليمين، و هو أولي بالقضاء «1». و في صحيحة الحلبي قريب منها، إلّا أنّ في آخرها بدل و «هو أولي بالقضاء»: فهو أولي بالحق «2»، و في صحيحة البصري بروايته أيضاً عن أبي عبد اللّٰه (عليه السّلام) قال: كان عليّ (عليه السّلام) إذا أتاه رجلان بشهود عدلهم سواء و عددهم، أقرع بينهما علي أيّهما تصير اليمين «3».

______________________________

(2) الوسائل: 17/ 593 ب 4 من أبواب ميراث الغرقي ح 4.

(3) الفقيه 3: 92 ح 3391، الوسائل: 18/ 190 ب 13 من أبواب كيفية الحكم ح 13.

(4) مستدرك الوسائل: 17/ 374 ب 11 من أبواب كيفية الحكم ح 4.

(5) الوسائل: 18/ 191 ب 13 من أبواب كيفية الحكم ح 17.

(1) الوسائل: 18/ 183 ب 12 من أبواب كيفية الحكم ح 6.

(2) الوسائل: 18/ 185 ب 12 من أبواب كيفية الحكم ح 11.

(3) الوسائل: 18/ 183 ب 12 من أبواب كيفية الحكم ح 5.

قاعدة القرعة، ص: 49

و منها: الإشهاد علي الدّابة، ففي موثقة سماعة عن أبي عبد اللّٰه (عليه السّلام) قال: إنّ رجلين اختصما إلي عليّ (عليه السّلام) في دابة، فزعم كلّ واحد منهما أنّها نتجت عليٰ مذوده (معتلف الدواب)، و أقام كلّ واحد منهما بيّنة سواء في العدد، فأقرع بينهما سهمين «1».

و منها: الإشهاد بالإيداع علي الظاهر، ففي رواية زرارة عن أبي جعفر (عليه السّلام) قال: قلت له: رجل شهد له رجلان بأنّ له عند رجل خمسين درهماً، و جاء آخران فشهدا بأنّ له عنده مائة درهم، كلّهم شهدوا في موقف، قال: أقرع بينهم، ثمّ استحلف الذين أصابهم القرع «2».

و منها: مورد اشتباه الولد بين العبد و الحرّ و

المشرك، ففي صحيحة الحلبي عن أبي عبد اللّٰه (عليه السّلام) قال: إذا وقع الحرّ و العبد و المشرك علي امرأة في طهر واحد، و ادّعوا الولد، أقرع بينهم، و كان الولد للذي يقرع «3».

و منها: الإشهاد علي الزوجية «4».

و منها: قضية الشاب الذي خرج أبوه مع جماعة، ثمّ جاؤوا و شهدوا بموته «5».

______________________________

(1) الوسائل: 18/ 185 ب 12 من أبواب كيفية الحكم ح 12.

(2) الوسائل: 18/ 183 ب 12 من أبواب كيفية الحكم ح 7.

(3) الوسائل: 18/ 187 ب 12 من أبواب كيفية الحكم ح 1.

(4) الوسائل: 18/ 184 ب 12 من أبواب كيفية الحكم ح 8.

(5) مرآة العقول: 24/ 206.

قاعدة القرعة، ص: 50

و منها: قضية الوصية بعتق ثلث العبيد «1».

و منها: عتق ثلثهم «2».

و منها: الاشتباه بين الولد و العبد المحرّر «3».

و منها: الاشتباه بين صبيّين أحدهما حرّ و الآخر مملوك «4».

و منها: الخنثي المشكل «5».

و منها: مورد عتق أوّل مملوك «6».

و منها: مورد اشتباه المعتق بغيره «7».

و منها: مورد عتق العبيد في مرض الموت، و لا مال له سواهم «8».

و منها: مورد اشتباه الغنم الموطوءة «9».

و منها: مورد قسمة أمير المؤمنين (عليه السّلام) المال الذي أتي من

______________________________

(1) الوسائل: 16/ 77 ب 65 من أبواب العتق ح 1.

(2) الوسائل: 13/ 464 ب 75 من أبواب الوصايا ح 1.

(3) الوسائل: 13/ 427 ب 43 من أحكام الوصايا ح 1.

(4) الوسائل: 18/ 188 ب 13 من أبواب كيفيّة الحكم ح 7.

(5) الوسائل: 17/ 580 ب 4 من أبواب ميراث الخنثيٰ ح 2، و روايات اخري من هذا الباب.

(6) الوسائل: 16/ 69 ب 57 من أبواب العتق ح 1 و 2.

(7) الوسائل: 16/ 44 ب 34 من

أبواب العتق ح 1.

(8) لم نعثر علي ذلك، و لكن أوردها المحقّق النراقي في عوائده (عوائد الأيام: 651).

(9) الوسائل: 16/ 436 ب 30 من أبواب الأطعمة المحرّمة ح 1 4.

قاعدة القرعة، ص: 51

أصفهان، المذكورة في كتاب الجهاد «1».

و منها: قضية مساهمة رسول اللّٰه (صلّي اللّٰه عليه و آله) قريشاً في بناء البيت «2».

و منها: استعلام موسي (عليه السّلام) النمام بالقرعة بتعليم اللّٰه تعاليٰ «3».

و منها: مساهمة رسول اللّٰه (صلّي اللّٰه عليه و آله) بين أزواجه إذا أراد سفراً «4».

و منها: اقتراعه (صلّي اللّٰه عليه و آله) بين أهل الصّفة للبعث إلي غزوة ذات السلاسل «5».

و منها: اقتراعه (صلّي اللّٰه عليه و آله) في غنائم حنين «6».

و منها: اقتراع بني يعقوب ليخرج علي واحد، فيحبسه يوسف عنده «7».

هذه هي الموارد التي تتبّعها سيدنا الأستاذ الأعظم الخميني دام ظلّه العالي «8» و لعلّ المتتبع أزيد من ذلك يجد «9» أقول:

منها: ما ورد من أنّ عبد المطلب جعل الدية بالقرعة مائة من الإبل، و جري ذلك في الإسلام، كما في الخصال الخمسة رقم 83، و ما ورد فيه أيضاً من فخر النبيّ (صلّي اللّٰه عليه و آله) بقوله: «أنا ابن الذبيحين» إسماعيل و عبد اللّٰه، ثمّ بيان الإمام قصّة نذر عبد المطلب، فإنّ الفخر به لا ينفك عن حسن عمل عبد المطلب كما لا يخفي.

و منها: القرعة عند التزاحم في الصف الأوّل، رواه البخاري في كتاب الصلاة، باب الأذان.

و منها: القرعة للأذان (المدرك).

و منها: القرعة لسكني المهاجرين في بيوت الأنصار، رواه البخاري في كتاب الشهادات، باب القرعة في المشكلات.

و منها: ما ورد عن أمير المؤمنين (عليه السّلام) في حكم من طلّق إحدي زوجاته بدون التعيين من إعمال القرعة

لتعيّنها (الموسوعة الفقهية الكويتية 33/ 141).

______________________________

(1) الوسائل: 11/ 87 ب 41 من أبواب جهاد العدو ح 13.

(2) مستدرك الوسائل: 17/ 376 ب 11 من أبواب كيفية الحكم ح 10.

(3) مستدرك الوسائل: 17/ 375 ب 11 من أبواب كيفية الحكم ح 5.

(4) مستدرك الوسائل: 17/ 377 ب 11 من أبواب كيفية الحكم ح 13. و في البحار: 6/ 551.

(5) البحار: 21/ 77.

(6) البحار: 21/ 173.

(7) البحار: 12/ 257.

(8) الرسائل: 1/ 340 345.

(9) قوله: «و لعل المتتبع أزيد من ذلك يجد».

قاعدة القرعة، ص: 52

موارد أُخري أيضاً.

و قد ظهر من جميع ذلك دلالة الروايات المتكثرة عليٰ مشروعية القرعة في الجملة «1»، و إن كانت مختلفة بحسب الظاهر، من حيث السعة و الضيق، و سيأتي التحقيق في مفادها إن شاء اللّٰه تعاليٰ.

الثالث: الإجماع المنقول، بل المحصّل

من تتبع الفتاوي و الكلمات؛ فإنّ الظاهر أنّه لم ينقل عن أحد من الأصحاب إنكار

______________________________

(1) قوله: «في الجملة».

أقول: بل يدل علي كون القرعة للمشكلات «أصل و قاعدة»، و لا تكون لخصوصية المورد، فإنّ الاستدلال للمشابهات في الموارد الكثيرة موجب لإلغاء الخصوصيات عرفاً، و إنّ الموضوع هي الجهة المشتركة بينها، كما لا يخفي علي الذوق السليم و الدرك المستقيم.

قاعدة القرعة، ص: 53

مشروعية القرعة بنحو الإطلاق، و إن وقع بينهم الاختلاف في موارد متعددة، لكن أصل اعتبار القرعة بنحو الإجمال لم يقع مورداً للإنكار و الخلاف بوجه، و لكنّ الظاهر أنّه بعد دلالة الكتاب و السنّة المستفيضة بل المتواترة إجمالًا علي مشروعية القرعة، لا يبقي للإجماع أصالة، و لا يكون دليلًا مستقلا في عرض الكتاب و السّنة؛ لأنّه من المحتمل بل المقطوع أن يكون مستند المجمعين الكتاب و السّنة، فالإجماع حينئذٍ لا يكون حجّة برأسه.

الرابع: بناء العقلاء علي الرجوع إلي القرعة

في بعض الموارد، و قد أشرنا إلي أنّ المساهمة المحكية في الكتاب في موردين، لعلّها كانت هي المساهمة العقلائية الجارية في مثل الموردين، من اشتباه العبد الآبق علي نقل، أو أشرافهم علي الغرق، فرأوا طرح واحد منهم لنجاة الباقين علي نقل آخر، و من يتكفّل مريم من الأشخاص المتعدّدين، فالظاهر ثبوت هذا البناء و عدم الردع عنه في الشريعة، بل تحقّق الإمضاء بمقتضي الكتاب و السّنة، لكن الكلام في ضابط المورد الذي يرجع فيه العقلاء إلي القرعة، و سيأتي بيان الضابط في تحقيق مفاد الروايات «1».

______________________________

(1) أقول: و يمكن الاستدلال بالعقل كما عن الشهيد في قواعده؛ حيث قال: لأنّ في القرعة عند تساوي الحقوق و المصالح و وقوع التنازع، دفعاً أي في إعمال القرعة للضغائن و الأحقاد، و الرضا بما جرت به

الأقدار و قضاء الملك الجبّار.

ففيها من المصلحة الملزمة بما لا يجوز للحكيم إهمالها و عدم التوجّه بها، فلا بد من تشريعها.

و قال صاحب العناوين عند الشك في الموضوع و فقد المرجح و صيرورته مشكلًا، يلزم من عدم امتيازه (أي الموضوع) اختلال النظام و الهرج و المرج … و إثارة الفتنة … فهذا هو «الأمر المشكل» الذي يتبع فيه القرعة … و جعل هذه الطريقة لطف عظيم حاسم لمادة الجدال و النزاع من أصله، إذ لا يرد في ذلك شي ء … (العناوين: 1/ 359).

قاعدة القرعة، ص: 54

المقام الثاني: في بيان مقدار دلالة الأدلّة

الواردة في مشروعيتها، سيّما مفاد الطوائف الثلاث من الروايات الواردة فيها.

فنقول: إنّ الذي يظهر بعد التتبع و التأمّل في غير الطائفة الاولي من الطائفتين الأخيرتين أنّ مورد القرعة و محل جريانها هو موارد تزاحم الحقوق، و عدم ثبوت المرجح لأحدها علي الآخر، و هذا هو الجامع بين جميع الموارد التي حكم فيها بالقرعة بينهما، نعم مورد التخلف فيما ذكرنا إنّما هي مسألة الغنم الموطوءة التي حكم فيها بالقرعة، مع عدم تحقق الجامع المذكور فيها.

و لكن يمكن الجواب عنه مضافاً إلي أنّه يمكن فرض تزاحم الحقوق فيها أيضاً «1» بأن كان القطيع مركّباً من أغنام أزيد من مالك واحد، كما كان هو الشائع في تلك الأزمنة، بل في

______________________________

(1) و فيه: مع ظهور الدليل علي خلافه، أنّ ترك الاستفصال لا يبقي مجالًا لذاك المقال كما لا يخفي.

قاعدة القرعة، ص: 55

زماننا هذا أيضاً بأن يقال: إنّ الرواية الدالة علي ثبوت القرعة في المورد المفروض مشعرة بكون هذا المورد أيضاً من موارد تزاحم الحقوق؛ لأنه قد عبّر فيها بعد الحكم بالقرعة و استخراج الموطوءة بها، بأنّه قد نجت سائرها، فإنّ نجاة السائر إنّما

هي مع التزاحم كما لا يخفيٰ «1».

نعم لا بد من ملاحظة الطائفة الأُولي الدالة بظاهرها علي أنّ كلّ مجهول ففيه القرعة، و نقول: إنّ عمدة ما يمكن أن يكون مستنداً للعموم هي رواية محمد بن حكيم المتقدّمة «2»، و حيث إنّ السؤال فيها ناقص، ضرورة أنّ السؤال عن الشي ء لا ينطبق عليه الجواب «3» بثبوت القرعة لكلّ أمر مجهول، بل نفس هذا السؤال لا يكاد يصدر من عاقل، فهذا يكشف عن أنّ السؤال كان عن أمر لم ينقل لنا، و حينئذٍ يبقي احتمال أنّه لو كان السؤال مذكوراً لنا؛ لكان من الممكن أن يكون قرينة علي عدم شمول الجواب لجميع الموارد، هذا مع أنّه لو أغمض النظر عن ذلك نقول: قد عرفت أنّ القرعة ليست أمراً شرعيّاً اخترعه الشارع، بل كانت معمولًا بها عند العقلاء قبل الشرع

______________________________

(1) و فيه: أنّ التعبير بذلك بلحاظ كون الأغنام ذوات النفوس الحيوانية، لا بلحاظ تزاحم الحقوق لأربابها.

(2) تقدّمت في ص 43 44.

(3) و فيه: أنّ مجرّد ذلك لا يضر بالعموم، و إلّا يسقط الحديث عن قابلية الاستدلال بالمرّة، لاحتمال أن يكون مراد الراوي من الشي ء أمراً مبايناً لما له واقع معلوم.

قاعدة القرعة، ص: 56

أيضاً، و قد عرفت أنّ المساهمة المحكية في الكتاب في موردين كانت هي المساهمة العقلائية ظاهراً، و من المعلوم أنّ مورد إجراء القرعة و محلّها عند العقلاء لا يكون عامّاً شاملًا لجميع موارد الاشتباه و الجهل «1»، بل العقلاء يعملون بها في موارد مخصوصة، و الظاهر أنّ ضابطها تزاحم الحقوق. و بعد ثبوت هذا البناء لا يكاد يفهم من مثل رواية محمد بن حكيم العموم لغير تلك الموارد.

و يؤيّد ما ذكرنا أنّه مع كون هذه الرواية

بمرءي و مسمع من الأصحاب، بل ادعي الإجماع عليٰ صدور مضمونها من الشيخ و الشهيد و غيرهما، و تمسكوا بها في غير مورد من مسائل القضاء و أشباهها، و لم يظهر من أحد منهم التمسك بها، و الفتوي بمضمونها في غير موارد تزاحم الحقوق، نعم حكي عن ابن طاوس «2» الفتويٰ بالقرعة في مورد اشتباه القبلة «1». و لكنّه من الشذوذ بمكان «2»، مضافاً إلي كونه مخالفاً

______________________________

(1) هذا أول الكلام، بل عمل الاستخارة من المسلمين، و إعمال ما يشبهها من غيرهم يدل علي العموم كما لا يخفيٰ.

(2) و هو قدوة العارفين، رضي الدين علي بن موسي بن جعفر بن طاوس الذي قال العلّامة في حقّه: «كان أعبد من رأيناه من أهل زمانه، و كانت وفاته عام 664».

(1) الأمان من إخطار الأسفار و الأزمان: 93 94.

(2) قوله: من الشذوذ بمكان.

أقول: نسب هذا القول إليه زين الدين الشهيد الثاني في كتاب تمهيد القواعد في بحث التعادل و التراجيح: ص 283 و ارتضاه عند ضيق الوقت و جعله في العروة: 1/ 411 أحوط، و يأتي دلالة أدلتها علي ذلك لو لم يخالف الإجماع، و لم يدل عليه دليل خاصّ.

قاعدة القرعة، ص: 57

للنص الوارد في تلك المسألة.

و يؤيّد بل يدلّ عليٰ ما ذكرنا ما دلّ علي أنّ أصل القرعة من الكتاب؛ لأنه ليس المراد دلالة الكتاب عليٰ شرعية القرعة، لأنه لم يرد فيه كما عرفت إلّا حكاية المساهمة في موردين، و الحكاية أعمّ، بل المراد دلالة الكتاب عليٰ وجود هذا الأمر و ثبوته بين العقلاء، فلا بد في تشخيص مورده و مجراه من الرجوع إليهم كما لا يخفيٰ.

و أمّا قولهم في مطاوي كتبهم الفقهية: «القرعة لكلّ أمر مجهول أو

مشتبه» فالظاهر أنّ المراد بالأمر فيه هو الأمر الذي يرجع إلي الحاكم، علي ما يشهد به استعمال هذه الكلمة في باب القضاء، فإنّه حيثما يطلق في كتاب القضاء لا يراد منه إلّا ذلك، كلفظ الحكم المعبّر به في ذلك الكتاب، و من هنا يظهر سرّ تقييد الحلّي في السرائر «1» مورد القرعة بما إذا كان الأمر المجهول مشتبه الحكم؛ فإنّ مراده من الأمر المجهول هو الأمر الذي يرجع إلي الحاكم، و من الحكم المشتبه هو الحكم الذي هو وظيفة القاضي لا الحكم الشرعي الكلي «2».

______________________________

(1) السرائر: 2/ 173.

(2) بعد وجود ما يدل علي أنّ «القرعة لكلّ أمر مجهول» و قولهم: «القرعة لكلّ أمر مشكل»، و لأن القرعة سنّة و موردها المعضلات، لا يضرّ بشمولها لغير مورد الدعاوي و تزاحم الحقوق مجرّد ورودها في الموارد الخاصة بالدعاوي، فالأقوي شمولها لكلّ مجهول و معضل و لو غير تزاحم الحقوق، و ذلك لوجود العموم و الإطلاق.

نعم لا بدّ من صدق الجهل بجميع الجهات و الأشكال من جميع الأبعاد، بأن لم يكن طريق شرعي لرفع التحيّر، و عليه يخرج عن نطاق أدلتها موارد الأخبار و الطرق المعتبرة، كما يخرج عنه موارد قيام البيّنة و الأمارات المعتبرة القائمة علي الموضوعات المشتبهة، و هكذا مورد الاستصحاب و أدلة البراءة الشرعية، و هكذا يخرج عن نطاق أدلتها موارد العلم الإجمالي المحكومة بالاحتياط شرعاً، إذا لم يكن فيه ضرر و حرج، و أمّا في صورة الضرر و الحرج فالحقّ شمول أدلتها، و علي هذا كان الغنم الموطوءة علي طبق القاعدة؛ لوجود ضرر عظيم في الأخذ بالاحتياط، و أمّا موارد التخيير العقلي بأن يدور الأمر بين المحذورين، فالحقّ جريانها و لو كانت الشبهة حكمية،

كما أمر الوالد بالسفر و الوالدة بالمقام و الحضر، و لم يدل دليل علي ترجيح أمر أحدهما، فيقرع بينهما.

و أمّا القول بلزوم اتباع الأصحاب في العمل بها فهو ناشئ عن تخيل تخصيصات كثيرة، و هو مر. دود بما عرفت في تعريفها، و حصر موردها في التحير من جميع الجهات، و الجهل بالحكم الشرعي و لو في الظاهر. و عليه يكون الخروج في الأكثر تخصّصاً.

قاعدة القرعة، ص: 58

و يؤيّد أيضاً ما ذكرنا، ما ورد ممّا يدل علي عدم جواز استخراج المجهول بالقرعة لغير الإمام، الذي يعني به من يجوز له التصدي للقضاء، فإنّ تخصيص جواز الاستخراج به لا يلائم ثبوت القرعة في جميع الأُمور المشتبهة، بل المناسب له هو اختصاص موردها بموارد تزاحم الحقوق، التي لا بدّ فيها من الرجوع إلي الحاكم الشرعي لفصل الخصومة، و يؤيّد ما ذكرنا أيضاً عدم خروج الموارد الخاصة الواردة فيها

قاعدة القرعة، ص: 59

القرعة عن الضابطة المذكورة.

و قد انقدح ممّا حققناه تمييز موارد القرعة عن غيرها، و حينئذٍ يظهر لك أنّه لا يكون لعمومها بالنسبة إلي مواردها تخصيصات كثيرة، حتي يلزم الاستهجان، و يحتاج في العمل بها إلي عمل الأصحاب كما هو المشهور بين المعاصرين و غيرهم، بل لا يكون لعمومها تخصيص إلّا في مسألة درهم الودعي؛ حيث إنّ مقتضي القاعدة القرعة فيها، و لكن النصّ الخاص قد حكم بالتنصيف.

ثمّ إنه لو أبيت عمّا ذكرنا من كون المراد بالأمر في الرواية النبوية و في قولهم: «كلّ أمر مجهول ففيه القرعة»، هو الأمر الذي يرجع فيه إلي الحاكم؛ نظراً إلي إطلاق لفظ الأمر في الرواية و الفتوي، نقول: إنّ المراد بالأمر هل هو الحكم أو الموضوع؟ و توصيفه بكونه مجهولًا هل يراد

به الشبهة الحكمية أو الشبهة الموضوعية؟ لا مجال للأوّل؛ لأنّ الشبهات الحكمية و إن كانت في بادئ النظر متصفة بالجهل و الاشتباه، إلّا أنّها بلحاظ تبين حكمها في لسان الشارع و بيان الوظيفة الشرعية فيها، لا تتصف بالجهالة و الاشتباه، فإنّ شرب التتن الذي يجري فيه احتمال الحرمة لا يكون مجهولًا؛ لأنّه قد حكم الشارع بحليّته بمقتضي أصالة الحلية الجارية في مثله، و كذا صلاة الجمعة التي يجري فيها استصحاب الوجوب فرضاً بمقتضيٰ قوله (عليه السّلام): «لا تنقض

قاعدة القرعة، ص: 60

اليقين بالشك» «1» لا تكون مشتبهة بوجه، و هكذا.

و إن شئت قلت: إنّ الجهل في المثالين إنّما هو بالإضافة إلي الحكم الواقعي، و أمّا بلحاظ الوظيفة الشرعية، فالحكم معلوم لا يجري فيه جهالة، و لا مجال لدعوي كون المراد من الجهل في الرواية النبويّة و في الفتاوي هو الجهل بالحكم الواقعي بعد إطلاق الجهل و عدم تقييده به، و يؤيّد ما ذكرنا التعبير بالإعضال في بعض الروايات، الذي لا يبقي له مجال مع وضوح الوظيفة الشرعية و لو بحسب الحكم الظاهري، فالشبهة الحكمية خارجة عن مفاد العبارة «2».

و أمّا الشبهة الموضوعية، فإن كانت بدوية، فالحكم فيها معلوم غير مجهول أيضاً، سواء كان هي البراءة أو الاحتياط، و إن كانت مقرونة بالعلم الإجمالي، فهي أيضاً حكمها معلوم، سواء كانت الشبهة محصورة أم غير محصورة؛ لأنّ الحكم في الأوّل هو الاحتياط علي ما هو المشهور، و البراءة علي غيره؛ و في الثاني هو البراءة علي المشهور أيضاً، فلم يبق لنا إلّا موارد تزاحم الحقوق في الشبهة الموضوعية التي لم يبين حكمها في الشريعة، فإذا دار أمر «مال» بين أن يكون لزيد أو

______________________________

(1) وسائل الشيعة: 1/ 174، الباب

1 من أبواب نواقض الوضوء ح 1.

(2) و قد عرفت جريانها في الدوران بين المحذورين و لو كانت الشبهة حكمية؛ و ذلك لأنّ حكم العقل بالتخيير تعليقي لا تنجيزي، أي ما دام لم يرد من الشارع بيان لرفع الإعضال، و القرعة بيان كما لا يخفي.

قاعدة القرعة، ص: 61

لعمرو، و أقام كلّ واحد منهما بيّنة عليٰ مدّعاه، فهذا هو الأمر المجهول و المشتبه و المعضل، الذي لا محيص فيه عن إعمال القرعة و الرجوع إليها؛ لعدم بيان حكمه في شي ء من أدلّة الأمارات الشرعيّة و الأصول المعتبرة بوجه.

نعم، لا يختصّ إعمال القرعة بما كان له واقع، غاية الأمر كونه مجهولًا عندنا، بل يعمّ ما لم يكن له واقع أصلًا، غاية الأمر الإعضال لأجل أنه لا ترجيح في البين أصلًا.

المقام الثالث: في أنّ القرعة هل تكون أمارة أو أصلًا؟

اشارة

فيه وجهان، و الظاهر هو الوجه الثاني.

أمّا أوّلًا؛ فلأنّ موارد ثبوت القرعة عند العقلاء عليٰ قسمين:

قسم يكون للمجهول المشتبه واقع معلوم عند اللّٰه و غير معلوم عندنا، كالمساهمة في قصّة يونس «1»، بناءً علي كونها لأجل تشخيص العبد الآبق كما في أحد النقلين، و قسم لا يكون له واقع معين، كالمساهمة في قصة تكفل مريم الواقعة في الكتاب العزيز «2»، و من المعلوم أنه لا تعقل الأمارية في القسم الثاني «3»؛ لعدم ثبوت واقع حتي تكون القرعة أمارة

______________________________

(1) سورة الصافات: 141.

(2) سورة آل عمران: 44.

(3) قوله: «لا تعقل الأماريّة في القسم الثاني» أقول: الحقّ صدق المجهول في جميع موارد القرعة كما سبق منّا.

و قال صاحب العناوين: إن قلت: ظاهر ما ورد في الأخبار أنّه «ما من قوم فوّضوا أمرهم إلي اللّٰه ثمّ أقرعوا إلّا خرج سهم المحق» كون ذلك معيّناً في الواقع، إذ لا يصدق المحق إلّا بذلك.

قلت: أوّلًا أنّ المحق من اختاره اللّٰه لذلك و جعل له الحقّ، و ذلك يوجد في المشتبه واقعاً، كما في المتزاحمين في مباح و نظائره، و يكون معني المحق هنا أولويته في الواقع علي هذا الأمر، و الكاشف عن هذه الأولوية خروج القرعة و استحالة الترجيح بلا مرجّح علي اللّٰه تعالي … (العناوين: 1/ 363).

قاعدة القرعة، ص: 62

له، و الظاهر أنه لا فرق بين هذا القسم و القسم الأوّل عند العقلاء.

و أمّا ثانياً؛

فلأنّا لو قلنا: إنّ الطريقية و الأمارية قابلة لتعلّق الجعل بها علي خلاف ما حققناه في محلّه و لكن مورده ما إذا كان المحلّ قابلًا لذلك الجعل، من جهة كونه واجداً لوصف الطريقية تكويناً؛ ضرورة أنه لا يعقل جعل الطريقية للشك مثلًا، و من المعلوم أنّ القرعة بالكيفية المتداولة لا يكون فيها جهة كشف و إراءة أصلًا؛ ضرورة أنّ إجالة السهام ثمّ

إخراج واحد منها لا يكون فيها كشف و طريقيّة، و ليس مثل خبر الثقة و شهادة عدلين، الذي يكون مشتملًا علي الكشف و الإراءة في نفسه، و حينئذٍ فكيف يمكن جعل الحجّية لها كما لا يخفي؟

و أمّا ثالثاً؛

فلأنّه حيث يكون موضوع القرعة هو المجهول بما أنه مجهول، نظير سائر الأصول التي موردها خصوص

قاعدة القرعة، ص: 63

صورة الشك، كأصالة الحلية و الاستصحاب، فلا بدّ من الالتزام بكونها مثلهما في ذلك، أي في عدم كونها أمارة.

و دعوي أنّ ظاهر قول أمير المؤمنين (عليه السّلام): «ما من قوم فوّضوا أمرهم إلي اللّٰه عزّ و جلّ و ألقوا سهامهم، إلّا خرج السهم الأصوب» «1». أنّ القرعة لا تخطئ أصلًا، بل الخارج سهم المحقّ دائماً، كما في مرسلة الفقيه عن الصادق (عليه السّلام) أيضاً قال: «ما يقارع قوم فوّضوا أمرهم إلي اللّٰه إلّا خرج سهم المحقّ» «2» و هو معني الأماريّة بل هي الأمارة الدائمة المطابقة.

مدفوعة بأنّ غاية ما يدلّ عليه مثل هذا التعبير هو مجرّد تطبيق اللّٰه تعالي السهم الخارج علي الواقع دائماً؛ لأجل تفويض الأمر إليه و جعله هو الحكم، و هذا يغاير معني الأماريّة؛ فإنّها متقوّمة بحيثيّة الكشف و الإراءة، و القرعة فاقدة لها، بل تكون القرعة علي هذا نظير الاستخارة التي ليست بأمارة قطعاً. و من ذلك يظهر الخلل فيما أفاده المحقّق البجنوردي «3» من جعل القرعة و الاستخارة من الأمارات «4»؛

________________________________________

قمّي، حسين كريمي، قاعدة القرعة، در يك جلد، مركز فقهي ائمه اطهار عليهم السلام، قم - ايران، اول، ه ق قاعدة القرعة؛ ص: 63

______________________________

(1) الوسائل: 17/ 593 ب 4 من أبواب ميراث الغرقي ح 4.

(2) الفقيه: 3/ 92 ح 3390.

(3) القواعد الفقهية: 1/ 55.

(4) أقول: بناءً

عليٰ ما ذكرناه سابقاً من أنّ المطلوب في الاستخارة و نحوها من موارد القرعة، التي لا تعين لها من حيث الحكم الشرعي، هو استكشاف ما فيه الخير و الاستحقاق الواقعي تكون القرعة في جميع الموارد كاشفة عن واقع معيّن، غاية الأمر في أطراف العلم الإجمالي كان الواقع هو الحكم الواقعي التكليفي أو الوضعي أو موضوعهما، و في غيرها يكون الواقع جهة الخير و الصلاح و موارد الأولوية و الاستحقاق، و يحكم بكونها كاشفة كما هو ظاهر أكثر أدلّتها. إلّا أنّ الإصابة و الكشف تابعان في القوة و الضعف مراتب التفويض و الإخلاص حتي يصل إلي مرحلة الأكمل و الأوفي، و هي مرحلة تفويض المعصوم (عليه السّلام)، و فيها كانت الإصابة قطعية و جهة الكشف حتمية كما قال اللّٰه تبارك و تعالي: وَ الَّذِينَ جٰاهَدُوا فِينٰا لَنَهْدِيَنَّهُمْ سُبُلَنٰا فافهم و تدبّر فإنّه لطيف جدّاً.

قاعدة القرعة، ص: 64

نظراً إلي وجود جهة الكشف فيهما و الظن بإصابة الواقع و دلالة الدليل علي حجّية هذه الجهة، مثل قول أبي الحسن موسي (عليه السّلام): «كلّ ما حكم اللّٰه به فليس بمخطئ «1»» «2».

وجه الخلل ما عرفت من أنّ جهة الكاشفية و الطريقية التي هي أمر تكويني متقوّم بالطريق أمر، و تطبيق اللّٰه تعالي السهم الخارج علي الواقع غالباً أو دائماً أمر آخر لا ارتباط بينهما، و الدليل إنّما يدل علي الثاني، و أمّا الأوّل فهو مفقود في القرعة و الاستخارة كليهما «3».

______________________________

(1) الوسائل: 18/ 189 ب 13 من أبواب كيفية الحكم ح 11.

(2) ثمرة البحث عن كونها أمارة أو أصلًا، ترتب اللوازم العقلية علي القول بكونها أمارة، و عدمه علي القول بكونها أصلًا كما هو المشهور، و عليه ينحل العلم

الإجمالي بإصابة القرعة لأحد الأطراف كما في فرض إقامة البيّنة، و هذا بخلاف كونها أصلًا، حيث يحتاج خروج سائر الأطراف عن لزوم رعاية الاحتياط إلي إجراء قاعدة أخري كأصل البراءة و الاستصحاب، و حيث يستفاد من أدلّتها و قيام سيرة المتشرّعة عدم الاحتياج إلي ذلك، نستكشف عن كونها أمارة لا أصلًا.

(3) و فيه: أنّ جهة الكشف موجودة في ظرف تفويض الأمر، و إيكال القضية إلي اللّٰه تبارك و تعالي كما دلّ عليه قوله (عليه السّلام): «أيّ قضية أعدل من القرعة إذا فوّضوا أمرهم إلي اللّٰه؟»، و بالجملة إنّا نسلّم علي عدم جهة الكشف فيها ذاتاً، كما نسلم وجودها فيها عند التسليم و تفويض الأمر إليه تبارك و تعالي و بهذا يرتفع النزاع و يجمع بين الكلمات.

قاعدة القرعة، ص: 65

فالإنصاف أنّه لا مجال لدعوي الأمارية في القرعة، بل هي أصل عند العقلاء و عند الشارع، يرجع إليه فيما لم يكن مرجح في البين، و لم يكن هناك أصل أو أمارة أصلًا.

المقام الرابع: في تعارض القرعة مع الاستصحاب،

و نقول: إنّ النّسبة بينهما و إن كانت عموماً من وجه؛ لأنّ مورد الاستصحاب هو الشك مع لحاظ الحالة السابقة، سواء كان في مورد تزاحم الحقوق أو غيره، و مورد القرعة هو الشك في مورد تزاحم الحقوق، سواء كان مع لحاظ الحالة السابقة أم لا، إلّا أنك عرفت في المقام الثاني أنّ دليل الاستصحاب حاكم علي دليل القرعة؛ لأنّ مورد أدلّة القرعة إنّما هو الأمر المشكل الذي وقع التعبير به في كثير من الفتاوي تبعاً لجملة من النصوص، أو مطلق المجهول الذي وقع التعبير به في رواية محمد بن حكيم المتقدّمة «1»، و من المعلوم أنّ الأمر المشكل معناه هو الأمر الذي أشكل رفع التحيّر

عنه أو الحكم فيه؛ لأنّ مورد استعماله يغاير مورد استعمال كلمة المجهول؛ فإنّه لا

______________________________

(1) تقدّمت في ص 43 44.

قاعدة القرعة، ص: 66

تستعمل كلمة المجهول غالباً إلّا فيما كان له واقع معيّن عند اللّٰه مجهول عند الناس، و المشكل هو ما يصعب رفع التحير بالنسبة إليه، و الدليل علي اختلافهما أنه يمكن توصيف الواقع بأنه مجهول، و لا يمكن توصيفه بأنّه مشكل، فقد ظهر أنّ المشكل يتقوّم بالتحيّر، و من المعلوم أنّه مع جريان الاستصحاب لا تحيّر في البين أصلًا.

و أمّا ما وقع فيه التعبير بعنوان المجهول، فقد عرفت أنّ الجواب فيه و إن كان عامّاً، إلّا أنّ السؤال حيث لا يكون تامّاً، بل كان من المعلوم وجود شي ء آخر؛ لأنّ السؤال عن نفس الشي ء لا معني له، فلا مجال للاستدلال بعموم الجواب، و ليس ذلك من باب الشك في وجود القرينة الذي يكون بناء العقلاء علي عدم الاعتناء به كما لا يخفيٰ «1».

هذا مضافاً إلي ما عرفت من أنّ المراد بالمجهول المطلق هو ما كان مطلق حكمه مجهولًا، سواء كان واقعيّاً أو ظاهريّاً، و من المعلوم أنّه مع جريان الاستصحاب لا يبقي حينئذٍ مجال للرجوع إلي القرعة بعد تبيّن الحكم الظاهري بالاستصحاب.

ثمّ إنّه استظهر المحقّق النائيني (قدّس سرّه): أنّه لا يمكن اجتماع القرعة مع سائر الوظائف المقرّرة للجاهل حتي تلاحظ

______________________________

(1) قوله: و ليس ذلك من باب الشك في وجود القرينة. أقول: بل يكون منها، خصوصاً إذا صدر العموم عن مصادر التعليم و التشريع القائلين بانّا نلقي عليكم الأصول و عليكم بالتفريع.

قاعدة القرعة، ص: 67

النسبة بينهما؛ لأنّ التعبّد بالقرعة إنّما يكون في مورد اشتباه موضوع التكليف و تردّده بين الأُمور المتباينة، و لا محلّ للقرعة في

الشبهات البدوية، سواء كانت الشبهة من مجاري أصالة البراءة و الحلّ، أو من مجاري الاستصحاب؛ لأنّ المستفاد من قوله (صلّي اللّٰه عليه و آله): «القرعة لكلّ مشتبه» أو «مجهول» هو مورد اشتباه الموضوع بين الشيئين أو الأشياء، فيقرع بينهما لإخراج موضوع التكليف، و لا معني للقرعة في الشبهات البدوية؛ فإنّه ليس فيها إلّا الاحتمالين، و القرعة بين الاحتمالين خارجة عن مورد التعبّد بالقرعة، فموارد البراءة و الاستصحاب خارجة عن عموم أخبار القرعة بالتخصّص لا بالتخصيص، كما يظهر من كلام الشيخ (قدّس سرّه) «1».

و يرد عليه: أنه بعد عدم اختصاص أدلّة الاستصحاب بالشبهات البدوية، تكون موارد اجتماع الاستصحاب و القرعة كثيرة جدّاً، خصوصاً في موارد الجهل بتاريخ أحد الحادثين، كما لو عقد الوكيلان المرأة للرجلين، و جهل بتاريخ أحدهما، فبناءً علي تقدم الاستصحاب علي القرعة يحكم بصحّة عقد معلوم التاريخ، كما أفتي به و بنظائره هذا المحقّق في حواشيه علي العروة، و أمّا لو قيل بعدم تقدّمه عليها يكون من موارد القرعة، و له أمثال كثيرة في باب

______________________________

(1) فوائد الأُصول 4: 678.

قاعدة القرعة، ص: 68

التنازع و القضاء.

كما أنّه ظهر ممّا ذكرنا أنّه لا وجه لما أفاده الشيخ الأعظم «1» و تبعه المحقق الخراساني «2» من خروج الاستصحاب عن عموم أدلة القرعة بالتخصيص؛ و ذلك لما عرفت من عدم شمول أدلة القرعة لمورد الاستصحاب بوجه.

المقام الخامس: في أنّ القرعة هل هي وظيفة الإمام أو من بحكمه خاصّة،

اشارة

أو يعمل بها كلّ أحد؟ فيه وجهان، قال صاحب العناوين: «و الذي يقوي في النظر القاصر بعد ملاحظة الروايات اختصاص أمر القرعة بالوالي، فإن كان يمكن الرجوع فيه إلي إمام الأصل اختصّ به؛ لأنّه مورد أكثر الأخبار، و أنّها و إن لم تدلَّ علي الاختصاص، لكنّها لا تدلّ علي العموم أيضاً، فيقتصر

علي المتيقّن، و لما في مرسلة ثعلبة في الممسوح قال: «يجلس الإمام و يجلس عنده ناس» «3»، و في موثقة ابن مسكان «4»، و روايتي إسحاق «5» و السكوني كذلك.

______________________________

(1) فرائد الأُصول 2: 733.

(2) كفاية الأُصول 2: 360.

(3) الوسائل: 17/ 580 ب 4 من أبواب ميراث الخنثيٰ ح 3.

(4) مستدرك الوسائل: 17/ 378 ب 11 من أبواب كيفية الحكم ح 14.

(5) الكافي: 6/ 197 ح 14، الوسائل: 16/ 37 ب 34 من كتاب العتق ح 1.

قاعدة القرعة، ص: 69

و ما في صحيحة معاوية بن عمّار قال: «أقرع الوالي بينهم» «1» و ما في صريح رواية يونس: و لا يجوز أن يستخرجه أحد إلّا الإمام، فإنّ له كلاماً وقت القرعة و دعاءً لا يعلمه سواه، و لا يقتدر عليه غيره «2»، و ما في صريح مرسلة حمّاد «3»: القرعة لا تكون إلّا للإمام. مضافاً إلي أنّ إطلاق ما مرَّ من الروايات يعني مثل رواية محمد بن حكيم موهون بما مرّ من أنّه مسوق لبيان المشروعية و نحوه، و لو فرض فيه إطلاق، تُقيِّده هذه الروايات، و فيها الصحيح و الموثق و غيره.

و دعوي: أنّ الصحيح غير صريح الدلالة، و الموثقة أيضاً غير نافٍ لغير الوالي، و الروايات الصريحة خالية عن الجابر؛ إذ لم يعهد من الأصحاب اشتراط القرعة بالإمام حتي ينجبر، مدفوعة:

أوّلًا: بأنّ هذه النصوص و إن لم تكن صالحة للتقييد، لكنّها كافية في إفادة التشكيك

و الوهن في الإطلاق، و الأصل الأوّلي كافٍ في المنع عن غير المتيقّن.

و ثانياً: أنّ دلالة الصحيحة و الموثقة علي التقييد و الاختصاص ليست بأضعف من تلك الإطلاقات

في التعميم.

و ثالثاً: أنّ هذه الروايات مروية في الكافي و التهذيب

______________________________

(1) الفقيه: 3/ 92 ح 3392، الوسائل 18: 190 ب 13 من أبواب كيفية الحكم ح 14.

(2) الوسائل: 16/ 44 ب 34 من أبواب العتق ح 1.

(3) التهذيب: 6/ 240 ح 592.

قاعدة القرعة، ص: 70

معلّلة بما علّل، معمول بها في أصل الحكم، فراجعها.

و هذا القدر كافٍ في الظن بالصّدور، و هو المعتمد في العمل، و تحقيق ذلك موكول إلي محلّه.

مضافاً إلي أنّ القرعة في هذه المقامات مثبتة للموضوع، مستلزمة لترتّب أحكام مخالفة للأصل، و الأصل عدم لحوقها إلّا بالمتيقّن، مع أنّ الغالب في المثبتات كالبيّنة و اليمين و نحو ذلك من الشياع و نحوه عند الحاكم فكذلك القرعة.

و بالجملة: من أعطي النظر حقّه في هذا المقام لا يشك في الاختصاص. و الذي أراه أنّ الظاهر من الأصحاب أيضاً ذلك، إذ لم يعهد منهم تعميم القرعة.

نعم كلامهم أيضاً غير مقيّد بخصوص الوالي في الموارد التي نقلناها عنهم، و من هنا قد يتوهّم الإطلاق، لكنّه غير دالّ علي ذلك؛ إذ الغالب في تلك الموارد المذكورة كونها عند الحاكم؛ إذ الغالب أنّها في باب التنازع و التداعي، و لا يحتاج في ذلك إلي تقييدهم بكونه عند الإمام.

و بالجملة التأمّل في النص و الفتوي يقضي بالاختصاص» «1».

أقول: إن قلنا باختصاص مورد القرعة بباب القضاء و الحكومة، غاية الأمر كونها أعم من قضاء القاضي في باب

______________________________

(1) العناوين: 1/ 365 367.

قاعدة القرعة، ص: 71

الدعاوي و الخصومات، و حكومة الوالي في المنازعات المرتبطة به، فلا إشكال في اختصاص القرعة بالقاضي و الوالي، و إن لم نقل به «1»، فالظاهر أنّه بعد عدم ثبوت إطلاق يعتدّ به «2» أنّ القدر المتيقن هو الرجوع إليهما؛ للشك في ترتّب الآثار مع عدم الرجوع،

نعم لا تنبغي المناقشة في جواز التراضي بالقرعة في بعض الموارد، كباب القسمة، و التزاحم في المشتركات و نحوهما، كما أنّه لا مجال لتوهّم الاختصاص بإمام الأصل، و عدم الجواز للنائب العام، و إن كان بعض التعليلات في الروايات توهم الاختصاص فتدبّر.

المقام السادس: الظاهر أنه ليس للقرعة كيفية خاصة

و طريق مخصوص، بل هي العمل الذي تمتاز به الحقوق، و يكشف به عن الواقع، أو يتعيّن به أحد الأُمور، و يدلُّ عليه مضافاً إلي الإطلاقات الكثيرة أنّه قد ورد في الكتاب

______________________________

(1) كما هو المختار.

(2) و فيه: أنّه مجرّد الادّعاء، فالأقوي جريان مقدّمات الحكمة، كما في سائر موارد الإطلاق، و الحقّ هو التفصيل بين موارد التزاحم و الترافع، فلا بدّ من الرجوع إلي الإمام (عليه السّلام) أو نائبه الخاص أو العام، و بين غيرها فيرجع إلي العمومات و الإطلاقات، و بعد تمامية الإطلاق لا وجه للأخذ بالقدر المتيقّن، و لو لم يكن في مقام التخاطب كما لا يخفي. و يؤيّد ما ذكرناه ما ورد في الاستخارات بناءً علي كونها من القرعة، و هكذا في ابتداء التقسيم في الزوجات و إخراج الاولي و الأحقّ في تقدّم أحد المترافعين في باب القضاء، و المتعلمين في باب التعليم و التعلّم، و غير ذلك.

قاعدة القرعة، ص: 72

العزيز بإلقاء الأقلام، و في النصوص بأنواع مختلفة، مثل الكتابة علي السهم و الخواتيم من الشركاء و من الحاكم، و الكتابة علي الرقاع و النوي، و غير ذلك، و هو يكشف عن عدم تعيّن طريق خاص «1» و كيفية مخصوصة كما هو ظاهر.

المقام السّابع: ربّما يستظهر اعتبار تفويض الأمر إلي اللّٰه تعالي في صحّة القرعة،

بمعني أن يوطن المقترعون أنفسهم علي التسليم لما أمر به اللّٰه و إطاعته متي ينكشف لهم، فلو اتّفق ذلك منهم تجربة، أو من دون التفات إلي اللّٰه تعالي بطلب البيان فلا عبرة بذلك.

أقول: الأصل في ذلك صحيحة جميل المروية في التهذيب قال: قال الطيّار لزرارة: ما تقول في المساهمة أ ليس حقّا؟ فقال زرارة: بلي هي حقّ، و قال الطيّار: أَ ليس قد ورد أنّه يخرج سهم المحقّ؟ قال: بليٰ،

قال: فتعال حتي أدّعي أنا و أنت شيئاً ثمّ نساهم عليه و ننظر هكذا هو؟ فقال له زرارة: إنّما جاء الحديث بأنّه ليس من قوم فوّضوا أمرهم إلي اللّٰه ثمّ اقترعوا إلّا خرج سهم المحقّ، فأمّا علي التجارب فلم يوضع علي التجارب، فقال الطيّار: أ رأيت إن كانا جميعاً مدعيين ادّعيا ما ليس لهما

______________________________

(1) قوله: «و هو يكشف عن عدم تعين طريق خاص». أقول: و يؤيّده سيرة المتشرعة علي إجرائها بدون كيفية خاصة، نعم الأولي رعاية ما ورد فيها من الآداب.

قاعدة القرعة، ص: 73

من أين يخرج سهم أحدهما؟ فقال زرارة: إذا كان ذلك جعل معه سهم مبيح و يحتمل أن يكون منيح بالنون و هو أحد سهام الميسرة العشرة ممّا لا نصيب له فإن كانا ادّعيا ما ليس لهما خرج سهم المبيح «1».

و هذه الرواية و إن كان فيها إشكال من جهة ظهورها في التسالم بين زرارة و الطيّار علي أنّ مورد القرعة ما إذا كان هناك محقّ واقعاً، مع أنّك قد عرفت عدم الاختصاص به، إلّا أنّ ظهورها في أنه لم توضع القرعة علي التجارب، بل إنّما هي فيما فوّضوا أمرهم إلي اللّٰه تعالي، لا ينبغي أن ينكر.

و يستفاد من بعض الروايات المتقدّمة اعتبار التفويض قبل القرعة، و من بعضها اعتباره بعدها، و من بعضها أنّ القرعة هي نفس التفويض إلي اللّٰه تعاليٰ، و المستفاد من المجموع بعد التأمّل أنّ مورد القرعة ما إذا كان المراد الكشف عن الواقع، أو تعيّن أحد الأُمور، و أمّا إذا كان المراد بها التجربة و نحوها، فلا مجال لها، و الظاهر أنّه ليس المراد لزوم التوجّه إلي اللّٰه تعاليٰ و طلب البيان منه «2»، حتي يكون فيه شائبة

العبادية، بل المراد كون إعمالها لغرض جدّي و مقصود أصلي، و هو ما ذكرنا.

______________________________

(1) التهذيب 6: 238 ح 584، الوسائل 18: 188 ب 13 من أبواب كيفية الحكم ح 4.

(2) ظاهر النصوص ذلك، فلا يكفي مجرّد الجدّ و عدم الاستهزاء من اللّٰه.

قاعدة القرعة، ص: 74

ثمّ إنّ الظاهر عدم اعتبار الدعاء، فضلًا عن الدعاء المخصوص المشتمل عليه بعض الروايات في صحّة القرعة، و إن كان ظاهر بعض الروايات اعتباره، بل جعل ذلك علّة لعدم إقراع غير الإمام كما عرفت، إلّا أنّ الظاهر من اختلاف النصوص في أصل الدعاء، و في خصوصيّته، الحمل علي عدم الوجوب كما لا يخفيٰ.

هذا تمام الكلام في قاعدة القرعة «1».

______________________________

(1) أقول: هنا تمّ كلام شيخنا الأُستاذ (مدّ ظلّه العالي)، القواعد الفقهيّة: 421 442.

قاعدة القرعة، ص: 75

الباب الثالث و هو مشتمل علي التنبيهات النافعة

التنبيه الأول: هل القرعة عزيمة أو رخصة؟

قال المحقق النراقي: كلّ مورد يثبت أمر من الشارع فيه بخصوصه بالقرعة، فلا كلام في كونه عزيمة فيه كمسألة الشاة المنكوحة. و ما لا أمر له بخصوصه فإن كان من القسم الأوّل [أي: كلّ أمر معيّن في الواقع] فيجب أن ينظر فيه، فإن وجب تعيين المعيّن في الواقع، في الظاهر أيضاً و تحتّم العمل بواحد معين بدليل، موجب لذلك، و لو كان رفع التنازع الواجب أو دفع الضرر كذلك أو دفع كسر قلب محرّم أو غير ذلك، و لم يكن طريق آخر إلي التعيين سوي القرعة، يجب فيه القرعة لتوقف الواجب عليه … و إن كان من القسم الثاني [أي: ما لا تعين له في الواقع] فإن وجب فيه التعيين و لم يكن مناص منه، كأن يوصي أحد بعتق أربع رقاب من عشرين عبداً من عبيده.. فإن دلّ دليل شرعي علي تخيير أحد في التعيين، كأن

ينصّ الموصي علي التخيير، فيتخيّر هو

قاعدة القرعة، ص: 76

بين تعيينه بالاختيار و بالقرعة. و إن لم يدلّ دليل علي كونه مختاراً في التعيين تتعيّن القرعة..

هذا كلّه إذا وجب التعيين شرعاً، و إن لم يجب، كتقديم أحد المتعلمين في العلم الغير الواجب.. فلا تجب القرعة لا معيناً و لا مخيّراً، بل يجوز له الأمران كما يجوز له تركهما «1». انتهي ملخصاً.

التنبيه الثاني: في بيان لزوم العمل بالقرعة و عدمه

قال المحقّق النراقي: اعلم أنّ ما كان من القسم الأول [ما يكون معيناً في الواقع] فلا ينبغي الريب في كونها لازمة لا يجوز التخلف عنه عن مقتضاها بعد وقوعها؛ لدلالة الأخبار المستفيضة علي أنّ ما يستخرج بالقرعة هو الحقّ، فكيف يجوز ترك الحقّ؟ بل منها ما لا يجوز العدول عن مقتضاها و لو بعد تراضي المتقارعين، كما إذا كان الدعوي في الولد.

و أما ما كان من القسم الثاني [ما لا يكون له واقع معين] فيمكن أن يقال: إنّ بعد إقراع الحاكم أو من تجوز قرعته، فلا شك في تعلّق حقّ المحكوم له بما حكم له و صيرورته حقّا له، بل يمكن إثبات اللزوم بمقتضي الاستصحاب بعد القرعة و قبل حكم الحاكم «2». انتهي ملخصاً.

و قال صاحب العناوين: إعمال القرعة في المشكلات، فالأقوي

______________________________

(1) عوائد الأيام: 663 665.

(2) عوائد الأيام: 667.

قاعدة القرعة، ص: 77

لزوم القرعة و أنها عزيمة، و لا مناص علي لزوم العمل بها. و أمّا وجوب العمل بعد إعمالها فرع وجوب الإعمال، و إلّا كان التخيير باقياً «1».

التنبيه الثالث: في ذكر قاعدة خيالية و هي ما يسمونها «قاعدة العدل و الإنصاف»

من المشهورات التي لا أصل لها قاعدة يسمّونها قاعدة العدل و الإنصاف ثمّ يقدّمونها علي قاعدة القرعة، و يقولون: فيما لو تداعي شخصان مالًا و أقام كلّ منهما البينة أنه له، فإن حلفا أو نكلا، قسّم بينهما نصفين؛ لقاعدة العدل و الإنصاف.

أقول: لم تثبت هذه القاعدة لا في الكتاب و لا في السنة؛ و لذا قال سيّدنا المحقّق الخوئي علي ما في مستند العروة: إنّ القاعدة غير تامة، إذ لم يثبت بناءٌ و لا سيرة من العقلاء علي ذلك حتي تكون ممضاةً لدي الشارع، اللّهمَّ إلّا إذا تصالحا و تراضيا علي التقسيم علي وجه التنصيف فإنّه أمر

آخر. و أمّا الروايات الدالّة علي التنصيف فهي واردة في موارد خاصة من التداعي أو الودعي و نحوهما، فالتعدّي عن ذلك و دعوي أنّ كلّ مورد تردّد المال بين شخصين يقسم نصفين مشكل جدّاً «2».

ثمّ قال في كلام له: فإذا لم تتمّ قاعدة العدل و الإنصاف كما عرفت،

______________________________

(1) العناوين: 1/ 369.

(2) مستند العروة، كتاب الخمس: 147 148.

قاعدة القرعة، ص: 78

لم يكن مناص من العمل بالقرعة من غير توقف علي عمل المشهور «1». و قال في مباني تكملة المنهاج: قاعدة العدل و الإنصاف لم تثبت مطلقاً «2».

قال شيخنا المحقّق الحائري (قدّس سرّه): مستند ما يسمونه قاعدة العدل و الإنصاف ما أورده صاحب الوسائل في كتاب الصلح.

منها: ما رواه عن محمد بن علي بن الحسين بإسناده عن السكوني، عن الصادق (عليه السّلام)، عن أبيه (عليه السّلام) في رجل استودع رجلًا دينارين، فاستودعه آخر ديناراً، فضاع دينار منها، قال: يعطي صاحب الدينارين ديناراً، و يقسّم الآخر بينهما نصفين «3».

و منها: رواية ابن طرفة: أنّ رجلين ادعيا بعيراً، فأقام كلّ منهما بيّنة، فجعله عليّ (عليه السّلام) بينهما «4».

ثمّ قال: لا يمكن استفادة القاعدة الكلّية منهما «5».

أقول: الرواية الثانية مع ضعف سندها، و معارضتها بغيرها من الروايات الدالة علي لزوم العمل بالقرعة، يمكن أن يقال: إنّه (عليه السّلام) أصلح بينهما علي التنصيف. و الرواية الاولي علي فرض اعتبار سندها، و عدم حملها علي التقيّة مختصّة بموردها، و لا وجه للتعدي عن موردها.

______________________________

(1) مستند العروة، كتاب الخمس: 148.

(2) مباني تكملة المنهاج: 1/ 56.

(3) وسائل الشيعة: 13/ 171، كتاب الصلح الباب 12 الحديث 1.

(4) وسائل الشيعة: 13/ 170، كتاب الصلح الباب 10 الحديث 1.

(5) تقريرات درس المحقّق الحائري المخطوط، للمؤلّف.

قاعدة القرعة، ص:

79

و بالجملة بعد استقرار رأي أبي حنيفة علي التنصيف في التداعي و الودعي يشكل الاعتماد بهما في موردهما فضلًا عن سائر الموارد، فما يسمّونه قاعدة العدل و الإنصاف لا أساس له كي يبحث عن تقدمها علي قاعدة القرعة كما لا يخفي، و ممن صرّح بذلك الشهيد الثاني في كتاب الصلح من الروضة «1»

التنبيه الرابع: في الاستخارة

اشارة

الظاهر أنّ الاستخارة بالرقاع و السبحة و ما شاكلهما نوع من القرعة، و يختصّ موردها بما كان العمل مباحاً شرعاً جزئياً كان أو كلياً، ففي الأول كأن التحيّر بلحاظ الفعل و الترك، و في الثاني بلحاظ اختيار هذا المصداق أو ذاك، فالمريد لسفر خاص يستخير؛ لاستكشاف أيّهما كان صلاحاً، و في الثاني أيّ الأفراد كان فيه خيرٌ كمن أراد نكاح إحدي المرأتين فيستخير اللّٰه للاهتداء إليٰ أصلحهما، كما لا يخفي، فعلي هذا لا نحتاج إليٰ دليل خاص، و شرطها التردّد و التحير بعد التدبر و التأمّل، و مشورة أهل الصلاح و السداد العارفين بالأوضاع و الأحوال.

استخارة ذات الرقاع

و أمّا استخارة ذات الرقاع، فكونها من مصاديق القرعة ممّا لا شكّ

______________________________

(1) الروضة البهية: 4/ 184.

قاعدة القرعة، ص: 80

فيه و لا ارتياب. و في الوسائل ج 5 باب 2 من أبواب صلاة الاستخارة روايات:

منها: ما رواه الكليني عن هارون بن خارجة، عن أبي عبد اللّٰه (عليه السّلام): إذا أردت أمراً فخذ ستّ رقاع فاكتب في ثلاث منها: بسم اللّٰه الرحمن الرحيم، خيرة من اللّٰه العزيز الحكيم لفلان بن فلانة افعل، و في ثلاث منها: بسم اللّٰه الرحمن الرحيم خيرة من اللّٰه العزيز الحكيم لفلان بن فلانة لا تفعل، ثمّ ضعها تحت مصلّاك، ثمّ صلّ ركعتين، فإذا فرغت فاسجد سجدة و قل فيها مائة مرّة: أستخير اللّٰه برحمته خيرة في عافية، ثمّ استوِ جالساً و قل: اللّهمّ خر لي و اختر لي في جميع أُموري في يسر منك و عافية، ثمّ اضرب بيدك إلي الرقاع فشوّشها، و أخرج واحدةً واحدةً، فإن خرج ثلاث متواليات افعل، فافعل الأمر الذي تريده، و إن خرج ثلاث متواليات لا تفعل، فلا تفعله، و إن

خرجت واحدة افعل و الأُخري لا تفعل، فاخرج من الرقاع إليٰ خمس، فانظر أكثرها فاعمل به، و دع السادسة لا تحتاج إليها «1».

نعم في رسالة الاستخارة لأبي المعالي الكلباسي (المتوفي 1315 ه): أنكر ابن إدريس علي ما حكي في «الذخيرة» الاستخارة بالرقاع و القرعة و السبحة و الحصي، بدعوي إسنادها إلي الأخبار الآحاد «2».

أقول: و هو مبنيّ عليٰ عدم حجية الخبر الواحد و هو مختاره و قد أثبت أصحابنا المحقّقون حجيّته بما لا مزيد عليه. و يأتي ذلك في

______________________________

(1) وسائل الشيعة: 5/ 201، ب 2 من أبواب صلاة الاستخارة ح 1.

(2) كتاب الاستخارة ص 1.

قاعدة القرعة، ص: 81

التنبيه الخامس عشر.

الاستخارة بالقرآن

و أمّا الاستخارة بالقرآن فيدل علي مشروعيّتها بعد عمومات الدعاء، و ما ورد فيها من الأدلّة الخاصة سيرة الأعاظم و بناء فحول الفقهاء من غير إنكار عليهم، و يؤيده ما حكي من الحكايات العجيبة و الأُمور الغريبة الدالة علي إعجاز القرآن في هداية الحيران، إلّا أنّ مباشر تلك الاستخارة لا بدّ أن يكون عارفاً بالكتاب، و مجنباً عن رجس المعصية و قذارة حبّ الدنيا؛ لكي ينقدح في ذهنه ما يليق بشأنه.

و بالجملة هداية القرآن في مورد الاستخارة أمر ثابت فيما وصل إلينا من الحكايات و التجارب ما يشفي الصدور و يهدي العقول.

التنبيه الخامس: حول الدفاع عن المحقّق الأردبيلي

قال المحقّق البجنوردي (قدّس سرّه) في قواعده الفقهية ما هذا نصّه: «و ممّا ذكرنا يظهر لك عدم صحة ما ذكره المقدس الأردبيلي (قدّس سرّه) في آيات أحكامه في تفسير قوله تعاليٰ: وَ أَنْ تَسْتَقْسِمُوا بِالْأَزْلٰامِ «1» و عليٰ هذا يفهم منه تحريم الاستخارة المشهورة، التي قال الأكثر بجوازها، بل

______________________________

(1) سورة المائدة: 3.

قاعدة القرعة، ص: 82

باستحبابها، و يدلُّ عليه الروايات، ثمّ أخذ في رده بقوله: و كيف يمكن أن يكون طلب الخير من اللّٰه جلّ جلاله الذي هو حقيقة الاستخارة من مصاديق الاستقسام بالأزلام، فالأوّل عبادة و إيكال أمره و تفويضه إلي اللّٰه، و الثاني شرك، و طلب الخير من هبل أو الأزلام «1». انتهي كلام المحقق البجنوردي.

أقول: بالرجوع إليٰ كتاب زبدة البيان في أحكام القرآن ينكشف عدم صحة ما ذكره، فإنه بعد ذكر الاحتمالات الثلاثة عن مجمع البيان، في المقصود من «الاستقسام بالأزلام» و هي:

الأوّل: استخراج النصيب من القرباني بالقرعة.

الثاني: كعاب فارس و الروم.

الثالث: الشطرنج.

قال في ردّ الاحتمال الأوّل و بطلانه بأنّه يفهم منه تحريم الاستخارة المشهورة، التي قال الأكثر بجوازها، بل باستحبابها،

و يدلّ عليه الروايات «2».

أقول: كلامه صريح في جواز الاستخارة بل استحبابها، و أنّ تفسير «الاستقسام بالأزلام» بها باطل جدّاً. و العجب كيف خفي هذا الأمر علي المحقّق البجنوردي! و لعلّ ذلك من التحريفات المطبعية. فتأمل.

______________________________

(1) القواعد الفقهيّة: 1/ 59 60.

(2) زبدة البيان في أحكام القرآن: 626 كتاب المطاعم و المشارب.

قاعدة القرعة، ص: 83

التنبيه السادس: تفصيل آراء العامة نقلًا عن الموسوعة الفقهيّة الكويتيّة بعين عباراتها

التعريف:

1 القرعة في اللغة: السهمة و النصيب، و المقارعة: المساهمة، و أقرعت بين الشركاء في شي ء يقسمونه، و يقال: كانت له القرعة، إذا قرع أصحابه، و قارعه فقرعه يقرعه: أي أصابته القرعة دونه، و تستعمل في معان اخريٰ غير ما تقدم «1».

و لا يخرج المعني الاصطلاحي عن المعني اللغوي، قال البركتي: القرعة السهم و النصيب، و إلقاء القرعة: حيلة يتعين بها سهم الإِنسان أي نصيبه.

الألفاظ ذات الصلة:

القسمة

2 القسمة في اللغة من قسمته قسماً أي فرزته أجزاءً «2».

و اصطلاحاً: تمييز الحصص بعضها من بعض «1».

و الصلة بين القسمة و القرعة أنّ القرعة طريق من طرق القسمة،

______________________________

(1) لسان العرب لابن منظور، و معجم مقاييس اللغة لابن زكريا، و المعجم الوسيط.

(2) المصباح المنير مادة قسم.

(1) نهاية المحتاج: 8/ 269.

قاعدة القرعة، ص: 84

و القرعة نوع من أنواع القسمة عند المالكية «1».

الحكم التكليفي

3 القرعة مشروعة باتفاق الفقهاء، و قد تكون مباحة أو مندوبة أو واجبة أو مكروهة أو محرمة في أحوال سيأتي بيانها.

و دليل مشروعيتها الكتاب و السنة.

فأما مشروعيتها من القرآن الكريم فقوله تعالي: وَ مٰا كُنْتَ لَدَيْهِمْ إِذْ يُلْقُونَ أَقْلٰامَهُمْ أَيُّهُمْ يَكْفُلُ مَرْيَمَ «2»، أي يحضنها، فاقترعوا عليها.

و قال تعالي: وَ إِنَّ يُونُسَ لَمِنَ الْمُرْسَلِينَ. إِذْ أَبَقَ إِلَي الْفُلْكِ الْمَشْحُونِ. فَسٰاهَمَ فَكٰانَ مِنَ الْمُدْحَضِينَ «3».

عن ابن عباس.. قوله: فَسٰاهَمَ يقول: «أقرع» «4».

و أما مشروعيتها من السنّة المطهرة، فحديث أبي هريرة..: «عرض النبي (صلّي اللّٰه عليه و آله) علي قوم اليمين فأسرعوا، فأمر أن يسهم بينهم في اليمين أيهم يحلف» «5».

و عن عائشة.. قالت: «كان رسول (صلّي اللّٰه عليه و آله) إذا أراد سفراً أقرع بين

______________________________

(1) الشرح الكبير: 3/ 498.

(2) سورة آل عمران: 44.

(3) سورة الصافات: 139 141.

(4) تفسير الطبري: 22/ 63.

(5) حديث أبي هريرة: «عرض النبي (صلّي اللّٰه عليه و آله) علي قوم اليمين … » أخرجه البخاري (فتح الباري 5/ 285).

قاعدة القرعة، ص: 85

نسائه، فأيتهن خرج سهمها خرج بها معه» «1».

الحكمة من مشروعيتها

4 قال المرغيناني: القرعة لتطييب القلوب، و إزاحة تهمة الميل حتي لو عين القاضي لكلّ منهم نصيباً من غير إقراع جاز، لأنه في القضاء فيملك الإِلزام «2».

و جاء في تكملة فتح القدير: «أَلا يري أنّ يونس (عليه السّلام) في مثل هذا استعمل القرعة مع أصحاب السفينة، كما قال اللّٰه تعالي: فَسٰاهَمَ فَكٰانَ مِنَ الْمُدْحَضِينَ «3»؟ و ذلك لأنه علم أنه هو المقصود، و لكن لو ألقي بنفسه في الماء ربما نُسب إلي ما لا يليق بالأنبياء، فاستعمل القرعة لذلك، و كذلك زكريا (عليه السّلام) استعمل القرعة مع الأحبار في ضم مريم إلي نفسه مع

علمه بكونه أحقّ بها منهم، لكون خالتها عنده تطييباً لقلوبهم، كما قال تعالي: إِذْ يُلْقُونَ أَقْلٰامَهُمْ أَيُّهُمْ يَكْفُلُ مَرْيَمَ «4».

و كان رسول اللّٰه (صلّي اللّٰه عليه و آله) يقرع بين نسائه إذا أراد سفراً تطييباً لقلوبهن «5».

______________________________

(1) حديث عائشة: «كان رسول اللّٰه (صلّي اللّٰه عليه و آله) إذا أراد سفراً … » أخرجه البخاري (فتح الباري 5/ 218).

(2) الهداية مع شرحها تكملة فتح القدير: 8/ 363.

(3) سورة الصافات: 141.

(4) سورة آل عمران: 44.

(5) تكملة فتح القدير 8/ 364 365.

قاعدة القرعة، ص: 86

كيفية إجراء القرعة

5 للقرعة عند الفقهاء طريقتان:

الأولي: كتابة أسماء الشركاء في رقاع.

و الثانية: كتابة أجزاء المقسوم في رقاع، و قد شرط المالكية لإجراء الطريقة الثانية أن تكون الأنصباء متساوية، فإن اختلفت، فتجوز في العروض خاصة «6».

و قد أجاز كلّ من الشافعية و الحنابلة إجراءها في الصورتين، إلّا أنّ طريقة كتابة الأسماء أولي عند الشافعية «7».

ما تجري فيه القرعة

6 تجري القرعة في مواضع منها:

الأول: في تمييز المستحق إذا ثبت الاستحقاق ابتداءً لمبهم غير معين عند تساوي المستحقين، كمن أوصي بعتق عدّة أعبد من ماله، و لم يسع ثلثه عتق جميعهم، و في الحاضنات إذا كن في درجة واحدة، و كذا في ابتداء القسم بين الزوجات عند من يقول به لاستوائهن في الحقّ فوجبت القرعة؛ لأنّها مرجّحة.

الثاني: في تمييز المستحق المعيّن في نفس الأمر عند اشتباهه، و العجز عن الاطلاع عليه، سواء في ذلك الأموال و الأبضاع عند من

______________________________

(6) الشرح الكبير لدردير: 3/ 511.

(7) شرح الجلال المحلي علي المنهاج: 4/ 316، و مغني المحتاج: 4/ 422، و كشاف القناع: 6/ 380 381.

قاعدة القرعة، ص: 87

يقول بجريان القرعة في الإبضاع.

الثالث: في تمييز الأملاك.

و قيل: إنه لم يأت إلّا في ثلاث صور:

أحدها: الإقراع بين العبيد إذا لم يف الثلث بهم.

و ثانيها: الإقراع بين الشركاء عند تعديل السهام في القسمة.

و ثالثها: عند تعارض البينتين عند من يقول بذلك.

الرابع: في حقوق الاختصاصات كالتزاحم علي الصف الأول، و في إحياء الموات.

الخامس: في حقوق الولايات كما إذا تنازع الإمامة العظمي اثنان و تكافئا في صفات الترجيح قدم أحدهما بالقرعة، و كاجتماع الأولياء في النكاح، و الورثة في استيفاء القصاص، فتجري بينهم القرعة لترجيح أحدهم «1».

ما لا تجري فيه القرعة

7 إذا تعينت المصلحة أو الحقّ في جهة، فلا يجوز الإقراع بينه و بين غيره؛ لأنّ القرعة ضياع ذلك الحقّ المعين و المصلحة المتعينة، و علي ذلك فلا تجري القرعة فيما يكال أو يوزن و اتفقت صفته، و إنما يقسم كيلًا أو وزناً لا قرعة؛ لأنه إذا كيل أو وزن فقد استغني عن القرعة، فلا وجه

______________________________

(1) تبصرة الحكام بهامش فتح العلي المالك: 2/ 106، و

المنثور في القواعد للزركشي: 3/ 62 و ما بعدها، و الفروق للقرافي 4/ 111 (الفرق 240)، و القواعد لابن الجصاص: 348 و ما بعدها (القاعدة 160)، و حاشية ابن عابدين: 1/ 375 و 2/ 401.

قاعدة القرعة، ص: 88

لدخولها فيهما، و هذا ما ذهب إليه المالكية «1»، خلافاً للشافعية و الحنابلة «2».

و مما لا تجري فيه القرعة الإبضاع عند الشافعية و قول عند الحنابلة، و لا في لحاق النسب عند الاشتباه عند الحنفية و المالكية و الشافعية، و الظاهر من مذهب الحنابلة، و لا في تعيين الواجب المبهم من العبادات و نحوها ابتداءً عند الشافعية و الحنابلة، و لا في الطلاق عند الشافعية «3».

إجبار الشركاء علي قسمة القرعة

8 ذهب الحنفية و الشافعية و الحنابلة إلي أنّ القسمة إذا تمّت عن طريق قاسم من قبل القاضي بالقرعة كانت ملزمة، و ليس لبعضهم الإباء بعد خروج بعض السهام.

و عند الحنابلة و هو مقابل الأظهر عند الشافعية أنه إن كان القاسم مختاراً من جهتهم، فإن كان عدلًا كان كقاسم الحاكم في لزوم قسمته بالقرعة، و إن لم يكن عدلًا لم تلزم قسمته إلا بتراضيهما، و الأظهر عند الشافعية أنه يشترط رضا المتقاسمين بعد خروج القرعة في حالة ما إذا كان القاسم مختاراً من قبلهما و هو المعتمد «4».

______________________________

(1) حاشية الدسوقي: 3/ 501.

(2) القليوبي و عميرة: 4/ 316، كشاف القناع: 6/ 379.

(3) المنثور في القواعد للزركشي: 3/ 64، و قواعد ابن رجب: 348.

(4) حاشية ابن عابدين: 6/ 255 و 263، و القليوبي و عميرة: 4/ 316 317، و كشاف القناع: 6/ 378.

قاعدة القرعة، ص: 89

و ذهب المالكية إلي أنّ قسمة القرعة يجبر عليها كلّ من الشركاء الآبين إذا طلبها البعض إن انتفع كلّ

من الآبين و غيرهم انتفاعاً تامّاً عرفاً بما يراد له كبيت السكني، و مفهوم الشرط أنه إذا لم ينتفع كلٌّ انتفاعاً تامّاً لا يجبر «1».

القرعة في معرفة الأحقّ بغسل الميت

9 ذهب الشافعية و الحنابلة إلي أن الأحقّ في غسل الميت أقاربه، فإن استووا كالأخوة و الأعمام المستوين و الزوجات و لا مرجح بينهم فالتقديم بقرعة، فمن خرجت له القرعة قدم لعدم المرجّح سواها «2».

القرعة في تقديم الأحقّ بالإمامة في الصلوات و صلاة الجنازة

10 ذهب الفقهاء علي أنه إذا استوي اثنان فأكثر في الصفات التي يقدم بها للإمامة، أقرع بينهم عند التنازع.

و التفاضل بينهم ينظر في مصطلح (إمامة الصلاة ف 14 18) و انظر مصطلح (جنائز ف 41).

القرعة بين الزوجات في السفر

11 ذهب الحنفية و المالكية في قول إلي أنه إذا أراد الزوج السفر،

______________________________

(1) حاشية الدسوقي: 3/ 512.

(2) كشاف القناع: 2/ 90، و القليوبي و عميرة: 1/ 345.

قاعدة القرعة، ص: 90

فله اختيار من يشاء من زوجاته، و لا تجب عليه القرعة، إلّا أنّ الحنفية استحبوا القرعة تطييباً لقلوبهن.

و أوجب المالكية القرعة بين الزوجات في سفر القربة كالغزو و الحجّ في المشهور عندهم؛ لأنّ المشاحة تعظم في سفر القربة.

و في قول آخر عند المالكية أنّ القرعة تجب مطلقاً «1».

و ذهب الشافعية و الحنابلة إلي أنّ القرعة في السفر بين الزوجات واجبة سواء أ كان السفر طويلًا أم قصيراً، و في قول للشافعية إذا كان السفر قصيراً فلا تجب و لا يستصحب لأنه كالإقامة.

و للتفصيل انظر مصطلح (قسم بين الزوجات).

و قال الشافعية: إنّ الزوج إذا سافر لنقلة حرم أن يستصحب بعض زوجاته بقرعة أو بدونها، و أن يخلفهن حذراً من الإضرار بهن، بل ينقلهن أو يطلقهن «2».

القرعة بين الزوجات في ابتداء المبيت

12 ذهب الشافعية و الحنابلة و المالكية في قول إلي وجوب القرعة بين الزوجات في ابتداء المبيت؛ لأنّ البداءة بإحداهن تفضيل لها، و التسوية واجبة.

و ذهب ابن المواز من المالكية إلي استحباب القرعة بينهن في الابتداء.

______________________________

(1) حاشية ابن عابدين: 3/ 206، و حاشية الدسوقي علي الشرح الكبير: 2/ 343.

(2) القليوبي: 3/ 304 305، و كشاف القناع: 5/ 199.

قاعدة القرعة، ص: 91

و أما الحنفية و مالك فلا يرون القرعة، و للزوج أن يختار من يبتدئ بها «1».

و التفصيل في مصطلح (قسم بين الزوجات).

القرعة في الطلاق

13 إذا كان لشخص أكثر من زوجة، فطلق واحدة لا بعينها، بأن قال: إحداكنّ طالق، فإن نوي واحدة بعينها تعينت باتفاق الفقهاء. و إن لم ينو واحدة بعينها، فذهب الحنفية و المالكية في قول إلي أنه يصرف الطلاق إلي أيتهن شاء.

و ذهب المالكية في القول الثاني إلي طلاق الجميع، و قال الشافعية: يلزمه التعيين، فإن امتنع حبس و عزر، و قال الحنابلة، يقرع بينهن «2».

و استدل الحنفية و الشافعية بأنّ الزوج يملك إيقاع الطلاق ابتداءً و تعيينه، فإذا أوقعه و لم يعين، ملك تعيينه لأنه استيفاء ما ملك.

و استدل الحنابلة بما روي عن عليّ (عليه السّلام) و ابن عباس.. من قولهما في القرعة، و لا مخالف لهما من الصحابة، و لأنّ الطلاق إزالة ملك بُني علي التغليب و السراية فتدخله القرعة كالعتق، و قد ثبت الأصل بكون النبيّ (صلّي اللّٰه عليه و آله) أقرع بين العبيد الستة، كما في حديث عمران بن حصين رضي اللّٰه عنه: «أنّ رجلًا أعتق ستة مملوكين له عند موته،

______________________________

(1) شرح الجلال المحلي: 3/ 302 و ما بعدها، و جواهر الإكليل: 1/ 327، و حاشية الدسوقي: 2/ 341، و

كشاف القناع 5/ 199 و مابعدها، و حاشية ابن عابدين 3/ 208.

(2) حاشية ابن عابدين: 3/ 291 طبعة الحلبي، الطبعة الثالثة، و مواهب الجليل: 4/ 87، و روضة الطالبين: 8/ 103، و المغني: 7/ 251.

قاعدة القرعة، ص: 92

لم يكن له مال غيرهم، فدعا بهم رسول اللّٰه (صلّي اللّٰه عليه و آله) فجزأهم أثلاثاً، ثمّ أقرع بينهم، فأعتق اثنين و أَرقَّ أربعة، و قال له قولًا شديداً «1».

و لأنّ الحقّ لواحد غير معين فوجب تعيينه بالقرعة.

و إذا مات الزوج قبل القرعة و التعيين، أقرع الورثة بينهن، فمن وقعت عليها قرعة الطلاق، فحكمها في الميراث حكم ما لو عينها بالتطليق «2».

و إذا طلق واحدة من نسائه و أنسيها، تخرج بالقرعة عند الحنابلة، أما عند جمهور الفقهاء فعلي التفصيل السابق ذكره «3».

القرعة في الحضانة

14 ذهب المالكية و الشافعية و الحنابلة إلي أنه إذا تساوي اثنان فأكثر في استحقاق الحضانة، أقرع بينهم علي اختلاف و تفصيل. ينظر في مصطلح (حضانة ف 10 14).

القرعة في الموصي بعتقهم

15 ذهب المالكية و الشافعية و الحنابلة إلي أنّ من أعتق في مرض موته عبيداً، أو أوصي بعتقهم، و لم يجز الورثة ذلك، و لم يتسع

______________________________

(1) حديث عمران بن حصين (أنّ رجلًا أعتق ستة مملوكين … ) أخرجه مسلم (3/ 1288).

(2) المغني: 7/ 251 252.

(3) المراجع السابقة.

قاعدة القرعة، ص: 93

الثلث لعتقهم أقرع بينهم، و أُعتق منهم ما يخرج من الثلث «1»، و ذلك لحديث عمران بن حصين.

القرعة في العطاء و الغنيمة

16 نصّ الشافعية علي القرعة في الغنيمة في مواضع منها:

أ ما نقله النووي عن الماوردي فيمن يقدم عند العطاء فقال: يقدم بالسابقة في الإسلام، فإن تقاربا فيه قدّم بالدِّين، فإن تقاربا فيه قدم بالسنّ، فإن تقاربا فيه قدم بالشجاعة، فإن تقاربا فيه فولي الأمر بالخيار بين أن يرتبهم بالقرعة، أو برأيهم أو اجتهاده.

ب و في قسمة الغنيمة حيث يخرج منها السلَب، و المؤن اللازمة للأجور و الحفظ و غيرها، ثمّ يجعل الباقي خمسة أقسام متساوية، يجري فيها القرعة لإخراج سهم للّٰه تعالي أو المصالح «2».

القرعة عند تعارض البينتين

17 تعارض البينتين له صور عديدة كما يلي:

أوّلًا: إذا ادّعي شخصان عيناً بيد ثالث، و أقام كلّ منهما بينة علي دعواه، مطلقتي التاريخ أو متفقتين، أو إحداهما مطلقة و الأخري مؤرخة، و الحال أنّ الحائز للعين لم يقرّ بها لواحد منهما، فللفقهاء أقوال

______________________________

(1) الشرح الكبير: 4/ 378 379، مغني المحتاج: 4/ 502 503، المغني لابن قدامة: 9/ 358 359 و 363.

(2) روضة الطالبين: 6/ 362، 376، و نهاية المحتاج: 6/ 144.

قاعدة القرعة، ص: 94

فذهب الحنفية و المالكية إلي أنّ هذه العين تقسم بين المدعيين، إلّا أنّها تقسم نصفين عند الحنفية و أشهب من المالكية، و هو أحد الأقوال المبنية علي رأي ضعيف عند الشافعية، و تقسم علي قدر الدعوي لا نصفين علي الراجح من مذهب المالكية، و هو رأي ابن القاسم «1».

و ذهب الشافعية و هو المذهب عندهم إلي أنّ البينتين سقطتا و يصار إلي التحالف، فيحلف كلّ منهما يميناً، فإن رضيا بيمين واحد فالأصح المنع خلافاً لجزم الإمام بالجواز، و إن رجحه السبكي «2».

و ذهب الشافعية في القول الثاني و هو رواية عند الحنابلة إلي أنّ البينتين تستعملان صيانة

لهما عن الإلغاء بقدر الإمكان، و ينبني علي الاستعمال ثلاثة أقوال عند الشافعية، و روايتان عند الحنابلة إجمالها فيما يلي:

أ تقسم العين بينهما نصفين، و هو إحدي الروايتين عند الحنابلة، و أحد الأقوال الثلاثة السابقة عند الشافعية، و هو قول الحارث العكلي، و قتادة، و ابن شبرمة، و حماد «3».

ب أنّه يقرع بين المدّعيين، و ترجح من خرجت قرعته، و هذا ثاني الأقوال الثلاثة المبنية علي الاستعمال عند الشافعية، و كذلك الرواية الثانية المبنية علي رواية الاستعمال عند الحنابلة، و هل يحتاج معها إليٰ

______________________________

(1) مجمع الأنهر شرح ملتقي الأبحر: 2/ 272، ورد المحتار: 8/ 22، و شرح الزرقاني علي مختصر خليل: 7/ 212، و ما بعدها (ط. دار الفكر)، و مغني المحتاج: 4/ 480 و روضة الطالبين: 12/ 51.

(2) مغني المحتاج: 4/ 480، و انظر روضة الطالبين: 12/ 51.

(3) مغني المحتاج: 4/ 480، و المغني: 9/ 288.

قاعدة القرعة، ص: 95

يمين؟ قولان، أحدهما: لا، و القرعة مرجحة لبينته، و الثاني: نعم، و القرعة تجعل أحدهما أحقّ باليمين، فعلي هذا يحلف من خرجت قرعته أنّ شهوده شهدوا بالحقّ ثمّ يقضي له «1».

ج توقف العين بينهما حتي يتبين الأمر فيها أو يصطلحا علي شي ء، و هو ثالث الأقوال المبنية علي الاستعمال عند الشافعية، و هو قول أبي ثور؛ لأنه أشكل الحال بينهما فيما يرجي انكشافه فيوقف، كما لو طلَّق إحدي امرأتيه و مات قبل البيان فإنه يوقف الميراث، و لم يرجح النووي شيئاً، و لكن قضية كلام الجمهور ترجيح الوقف «2».

و ذهب الحنابلة في إحدي الروايتين إليٰ سقوط البينتين و يقترع المدعيان علي اليمين كما لو لم تكن بينة، و هذا ما ذكره القاضي و هو ظاهر كلام

الخرقي، و قد روي هذا عن ابن عمر، و ابن الزبير.. و به قال إسحاق و أبو عبيد «3».

ثانياً: و إن كانت العين بيدهما و أقام كلٌّ بينة علي ملكيته لها، و تساوت البينتان فالحنفية و المالكية يجعلون هذه الصورة كالصورة السابقة «4»، و كذلك الشافعية ما عدا قولي الوقف و القرعة، إذ يرون بقاء يد كلّ علي ما تحت يده من العين بعد تساقط البينتين، و لا يجي ء الوقف؛ إذ لا معني له، و في القرعة وجهان «5».

______________________________

(1) المغني: 9/ 288، و مغني المحتاج: 4/ 480، و روضة الطالبين: 12/ 51.

(2) مغني المحتاج: 4/ 480.

(3) المغني: 9/ 287 288.

(4) شرح الزرقاني علي المختصر: 7/ 212، رد المحتار: 8/ 22، 30.

(5) مغني المحتاج: 4/ 480، و أُنظر روضة الطالبين: 12/ 52.

قاعدة القرعة، ص: 96

و كذلك الحنابلة في الرواية الراجحة عندهم مع زيادة أنّ لكلّ واحد منهما اليمين علي صاحبه في النصف المحكوم له به «1».

و ذكر أبو الخطاب في المسألة رواية اخري أنّه يقرع بينهما، فمن خرجت قرعته حلف أنها لا حقّ للآخر فيها، و كانت اليمين له كما لو كانت في يد غيرهما، و قال: و الأول أصح للخبر «2» … «3»

البداءة بالقرعة عند التحالف

18 لا يحتاج إليٰ استخدام القرعة عند البداءة بالتحالف عند الحنفية، بل القاعدة هي: تخير القاضي في البدء بتحليف أحد المدعيين حسب ما يترجح لديه من هو أقوي المدعيين إنكاراً إلّا في صورتين:

الأوليٰ في البيع: إذا كان الاختلاف في قدر الثمن أو المثمن أو فيهما فيبدأ بتحليف المشتري، و قيل: يقرع بينهما، هذا إذا كان بيع عين بدين، و إن كان بيع عين بعين أو ثمن بمثمن فالقاضي مخير للاستواء «4».

الثانية: إذا

اختلف المؤجر و المستأجر في المنفعة و الأجرة، و ادعيا معاً يحلف من شاء، و إن شاء أقرع بينهما، كما في البيع «5»، بينما لم يشر المالكية و الحنابلة إليٰ الحاجة إلي الاقتراع لمعرفة من يبدأ من المتحالفين باليمين، و ذلك في اختلاف البائع و المشتري أو المؤجر و المستأجر، بل

______________________________

(1) المغني: 9/ 280 281.

(2) المغني: 9/ 281، و قد أسقطنا هنا كيفية استدلال المذاهب للاختصار.

(3) الموسوعة الفقهية الكويتية: 33/ 136 143.

(4) مجمع الأنهر شرح ملتقي الأبحر: 2/ 293.

(5) مجمع الأنهر شرح ملتقي الأبحر: 2/ 267.

قاعدة القرعة، ص: 97

يجعلان الخيار في ذلك للقاضي في بعض الصور، و في بعضها الآخر يبدأ بتحليف المنكر، أو الأقوي إنكاراً من المدعيين «1».

و عند الشافعية: علي المذهب يتخير الحاكم فيمن يبدأ به منهما، و قيل: يقرع بينهما فيبدأ بمن خرجت القرعة له، و الخلاف جميعه في الاستحباب دون الاشتراط «2».

استعمال القرعة في إثبات نسب اللقيط

19 يتفق الحنفية و المالكية و هو المذهب عند كلّ من الشافعية و الحنابلة، علي عدم استعمال القرعة في إثبات نسب اللقيط إليٰ أحد مدعي نسبه «3».

قال الشافعية: و لو أقاما بينتين متعارضتين بنسبه سقطتا في الأظهر، و يرجع إلي قول القائف، و الثاني: لا تسقطان، و ترجح إحداهما الموافق لها قول القائف بقوله، فمآل الاثنين واحد، و هما وجهان مفرعان علي قول التساقط في التعارض في الأموال، و لا يأتي هنا ما فرع علي مقابله من أقوال: الوقف و القسمة و القرعة، و قيل: تأتي القرعة هنا «4».

______________________________

(1) الشرح الكبير: 3/ 188 195، و جواهر الإكليل: 2/ 64 66، دار إحياء الكتب العربية، و المغني: 4/ 211 221.

(2) شرح الجلال المحلي علي المنهاج: 2/ 239.

(3) جواهر الإكليل: 2/

220، و الزرقاني: 7/ 120، و الدر المختار مع رد المحتار: 4/ 272، و شرح الجلال المحلي: 3/ 130 و المغني: 5/ 766.

(4) شرح الجلال المحلي: 3/ 130.

قاعدة القرعة، ص: 98

و قال ابن قدامة: إذا ادعاه اثنان فكان لأحدهما به بينة فهو ابنه، و إن أقاما بينتين تعارضتا و سقطتا، و لا يمكن استعمالهما ههنا؛ لأنّ استعمالهما في المال، إما بقسمته بين المتداعيين و لا سبيل إليه ههنا، و إما بالإقراع بينهما، و القرعة لا يثبت بها النسب، فإن قيل: إنّ ثبوته ههنا يكون بالبينة لا بالقرعة، و إنما القرعة مرجحة، قلنا: يلزم أنه إذا اشترك رجلان في وطء امرأة فأتت بولد، يقرع بينهما و يكون لحوقه بالوطء لا بالقرعة «1».

استعمال القرعة في إثبات أحقية حضانة اللقيط

20 يذهب جمهور الفقهاء من المالكية و الشافعية و الحنابلة إلي مشروعية استعمال القرعة لإثبات أحقية أحد المدعيين أخذ اللقيط بقصد حضانته، أو صلاحيته للحضانة إذا كان المدعي أكثر من واحد، و لم يسبق أحدهم، و كلّ منهم صالح لذلك و استويا في الصفات «2».

القرعة عند تنازع أولياء الدماء علي استيفاء القصاص

21 من قتل جمعاً مرتباً قتل بأولهم، أو معاً بأن ماتوا في وقت واحد، أو أشكل الحال بين الترتيب و المعية فبالقرعة بين القتلي، فمن

______________________________

(1) المغني: 5/ 766.

(2) جواهر الإكليل: 2/ 220، و الزرقاني: 7/ 120، و شرح الجلال المحلي: 3/ 124، و المغني: 5/ 761.

قاعدة القرعة، ص: 99

خرجت قرعته قتل به و للباقين الديات «1».

و هناك فروع كثيرة في استيفاء القصاص، و في استعمال القرعة في تمكين المستحق للقصاص من التنفيذ، و في تمكين أحد الورثة المستوين من تنفيذ القصاص عند التنازع تنظر في مصطلح (قصاص).

القرعة في المسابقة

22 ذهب الشافعية و الحنابلة إلي استعمال القرعة في المسابقة في بعض المواضع.

فالشافعية في مقابل الأظهر يقولون: لا يشترط بيان البادئ بالرمي، و يقرع بينهما إن لم يبين في العقد، و الأظهر اشتراط بيان البادئ بالرمي حذراً من اشتباه المصيب بالمخطئ لو رميا معاً «2».

و يذهب الحنابلة إليٰ استخدام القرعة في المسابقة في اختيار من يبدأ الرمي من المتسابقين، فإذا تشاحّا أقرع بينهما، و أيهما كان أحقّ بالتقديم فبدره الآخر فرمي، لم يعتد له بسهمه أصاب أم أخطأ «3».

الحاجة إلي القرعة في التبدئة بالشرب

23 أشار المالكية إليٰ استخدام القرعة في حالة ما إذا ملك جماعة

______________________________

(1) شرح الجلال المحلي و حاشية القليوبي و عميرة عليه: 4/ 110

(2) شرح الجلال المحلي: 4/ 269.

(3) المغني: 8/ 666 669.

قاعدة القرعة، ص: 100

ماءً بأرض مباحة أو أرضهم المشتركة بينهم، أو علي حفر بئر أو عين، قسم بينهم علي حسب أعمالهم، فإذا تشاحوا في التبدئة بأن طلبها كلّ منهم فالقرعة «1».

و يقول الشافعية: يأخذ كلّ منهم ما يشاء أي إن اتسع و كفي الجميع و إلّا قدم عطشان و لو مسبوقاً علي غيره، و آدمي علي غيره، و سابق علي غيره، فإن استووا أُقرع لحاجة أنفسهم ثمّ لحاجة دوابهم، و لا تدخل دوابهم في قرعتهم.

كما قالوا في سقي الأرض: يقدم الأقرب إلي الماء فالأقرب، و هذا إن علم تقديم الأقرب أو جهل الحال، فإن سبق الأبعد قدم، فإن استووا و جهل الأسبق و أحيوا معاً أقرع وجوباً، و للأبعد منع من يريد إحياء موات أقرب منه خشية إثبات حقّ سبقه «2».

و قال الحنابلة: إن استوي اثنان في القرب من أول النهر اقتسما الماء بينهما إن أمكن، و إن لم يمكن أقرع بينهما، فقدم من تقع

له القرعة، فإن كان الماء لا يفضل عن أحدهما سقي من تقع له القرعة بقدر حقه من الماء، ثمّ تركه للآخر، و ليس له أن يسقي بجميع الماء؛ لأن الآخر يساويه في استحقاق الماء، و إنما القرعة للتقديم في استيفاء الحقّ لا في أصل الحقّ، بخلاف الأعلي مع الأسفل، فإنه ليس للأسفل حقّ إلّا فيما فضل عن الأعلي «3». «4»

______________________________

(1) الشرح الكبير: / 4/ 74.

(2) شرح الجلال المحلي مع حاشية القليوبي و عميرة: 3/ 96.

(3) المغني: 5/ 584 585، و شرح الجلال المحلي: 4/ 318.

(4) الموسوعة الفقهية الكويتية: 33/ 136 150. ذكرنا بطوله إتماماً للفائدة.

قاعدة القرعة، ص: 101

التنبيه السابع: في نظرات أبي حنيفة حول القرعة و غيرها

يستفاد من الموسوعة الكويتية أنّ أبا حنفية قائل بالقرعة في الجملة، و هو ينافي ما ذكره إعلامهم. ففي باب العلم من كتاب ربيع الأبرار للزمخشري (467 538 ه) قال يوسف بن أسباط: ردّ أبو حنيفة علي رسول اللّٰه (صلّي اللّٰه عليه و آله) أربعمائة حديث أو أكثر، قيل: مثل ماذا؟ قال: قال رسول (صلّي اللّٰه عليه و آله): للفرس سهمان و للرجل سهم واحد. قال أبو حنيفة: لا أجعل سهم بهيمة أكثر من سهم المؤمن.

و أشعر رسول اللّٰه (صلّي اللّٰه عليه و آله) و أصحابه البُدن. و قال أبو حنيفة: الإشعار مثلة.

و قال (صلّي اللّٰه عليه و آله): البيّعان بالخيار ما لم يفترقا. و قال أبو حنيفة: إذا وجب البيع فلا خيار.

و كان (عليه السّلام) يقرع بين نسائه إذا أراد سفراً. و أقرع بين أصحابه. و قال أبو حنيفة: القرعة قمار «1».

و نقل عن تاريخ بغداد نحو ذلك، و زاد أنه قال: لو أدركني النبيّ (صلّي اللّٰه عليه و آله) و أدركته لأخذ بقولي.

أقول: و هو نعمان

بن ثابت (80 150 ه) أحد الأئمّة الأربعة، كان أصله من كابل، و هو الذي أحكم الرأي و القياس، و صدر منه فتاوي

______________________________

(1) ربيع الأبرار: 3/ 198.

قاعدة القرعة، ص: 102

غريبة و آراء عجيبة.

و عن الشافعي: نظرت في كتب أصحاب أبي حنيفة، فإذا فيها مائة و ثلاثون ورقة خلاف الكتاب و السنة. و عن سفيان و مالك و حماد و الأوزاعي و الشافعي: ما ولد في الإسلام أشأم من أبي حنيفة، و قال مالك: كانت فتنة أبي حنيفة أَضرّ علي الأمة من فتنة إبليس «1».

و عن الغزالي في كتاب (المنخول في علم الأُصول): فأما أبو حنيفة فقد قلب الشريعة ظهر البطن و شوّش مسلكها «2».

أقول: من فتاواه لو أنّ رجلًا عقد علي امّه، و هو يعلم أنّها امّه، يسقط عنه الحدّ، و لحق به الولد و كذا في أخته و بنته.

و منها: أنّ الرجل إذا تلوط بغلام فأوقبه، لم يجب عليه الحدّ، و لكن يردع.

و منها: إذا لفّ الرجل علي إحليله حريراً، ثمّ أولجه في قبل امرأة لم يكن زانياً، و لا يجب عليه الحد «3».

إذا انتهي الكلام إليٰ هذا المقام يليق أن نذكر أسامي سائر أئمّتهم في الفقه و هم:

مالك بن انس (95 179) «4».

و محمد بن إدريس بن عباس بن عثمان بن شافع (150 204) «5».

______________________________

(1) روضات الجنات: 8/ 172 173.

(2) روضات الجنّات: 8/ 174 175.

(3) روضات الجنّات: 8/ 169 170.

(4) أدوار فقه للأستاذ محمود الشهابي: 3/ 728.

(5) أدوار فقه: 3/ 739.

قاعدة القرعة، ص: 103

و أحمد بن محمد بن حنبل (164 241) «1».

التنبيه الثامن: أصناف المجتهدين من العامّة

اشارة

قال الشهرستاني (479 548): ثمّ المجتهدون من أئمّة الأُمة محصورون في صنفين لا يعدون إليٰ ثالث:

أصحاب الحديث و أصحاب الرأي

أصحاب الحديث:

و هم أهل الحجاز، هم أصحاب مالك بن أنس و أصحاب محمد ابن إدريس الشافعي و أصحاب سفيان الثوري و أصحاب أحمد بن حنبل و أصحاب داود بن علي بن محمد الأصفهاني، و إنما سموا أصحاب الحديث؛ لأنّ عنايتهم بتحصيل الأحاديث و نقل الأخبار و بناء الأحكام علي النصوص، و لا يرجعون إلي القياس الجليّ و الخفيّ ما وجدوا خبراً أو أثراً..

أصحاب الرأي

و هم أهل العراق، هم أصحاب أبي حنيفة النعمان بن ثابت، و من أصحابه محمد بن الحسن و أبو يوسف يعقوب بن إبراهيم بن محمد القاضي و زفر بن الهذيل … و إنّما سمّوا أصحاب الرأي؛ لأنّ أكثر عنايتهم

______________________________

(1) أدوار فقه: 3/ 758.

قاعدة القرعة، ص: 104

بتحصيل وجه القياس، و المعني المستنبط من الأحكام و بناء الحوادث عليها، و ربما يقدمون القياس الجليّ علي آحاد الأخبار، و قد قال أبو حنيفة: علمنا هذا رأي و هو أحسن ما قدرنا عليه … «1».

و نقل عن داود الأصفهاني الأصول هي الكتاب و السنة و الإجماع فقط، و منع أن يكون القياس أصلًا من الأُصول، و قال: إنّ أوّل من قاس إبليس «2».

و قال المحقّق الأنصاري: «فقد حكي عن تواريخهم أنّ عامة أهل الكوفة كان عملهم علي فتوي أبي حنيفة و سفيان الثوري و رجل آخر، و أهل مكة علي فتاوي ابن جريج، و أهل المدينة علي فتاوي مالك، و أهل البصرة علي فتاوي عثمان و سواده. و أهل الشام علي فتاوي الأوزاعي و الوليد، و أهل المصر علي فتاوي الليث بن سعيد، و أهل خراسان علي فتاوي عبد اللّٰه بن المبارك الزهري. و كان فيهم أهل الفتاوي غير هؤلاء كسعيد بن المسيّب و عكرمة و

ربيعة الرأي و محمد ابن شهاب الزهري إليٰ أن استقرّ رأيهم بحصر المذاهب في الأربعة سنة خمس و ستّين و ثلاثمائة كما حكي «3».

أقول: ما ذكره من حصر المذاهب في الأربعة عام (365) موافق لما ذكره صاحب الروضات «4» و في حاشية أوثق الوسائل عن شرحي

______________________________

(1) الملل و النحل: 1/ 187 188.

(2) الملل و النحل: 1/ 186 187.

(3) فرائد الأُصول المحشي بحاشية «رحمة اللّٰه» ص 468.

(4) روضات الجنّات: 1/ 191 ذيل ترجمة أحمد بن حنبل.

قاعدة القرعة، ص: 105

الوافية للسيد الصدر و الفاضل الكاظمي كان ذلك في سنة (665) «1».

و نقل العلّامة الطهراني عن ابن الفوطي: إن رسمية مجموع المذاهب الأربعة في بغداد كانت من سنة 631 الّتي افتتحت فيها المدرسة المستنصرية، و قسمت أربعة أقسام لأهل المذاهب الأربعة إليٰ سنة (645) التي التزم فيها المدرسون بأن لا يتجاوز عن قول المشايخ القدماء و آرائهم حفظاً لحرمتهم و تبرّكاً بسابقتهم في العلم و الدين «2».

و نقل عن المقريزي أنّ ذلك في خصوص مصر كان في سنة (665) «3».

أقول: و يمكن الجمع بأنّ حدوث فكرة الحصر كان في القرن الرّابع، و أمّا تسجيل ذلك و رسمية الحصر في تمام البلاد الإسلامية كان في سنة (665).

التنبيه التاسع: مختار الشيخ الطوسي و صاحب الوسائل في تعارض البينات

في كتاب وسائل الشيعة قال الشيخ: الّذي أعتمده في الجمع بين هذه الأخبار هو أنّ البيّنتين إذا تقابلتا فلا تخلو أن تكون مع إحداهما يد

______________________________

(1) أوثق الوسائل: 629.

(2) تاريخ حصر الاجتهاد للعلّامة التهراني (الشيخ آقا بزرگ): 107.

(3) المصدر نفسه.

قاعدة القرعة، ص: 106

متصرّفة أو لم تكن، فإن لم تكن يد متصرّفة و كانتا خارجتين، فينبغي أن يحكم لأعدلهما شهوداً و يبطل الآخر، فإن تساويا في العدالة حلف أكثرهما شهوداً، و هو الّذي تضمّنه

خبر أبي بصير.

و ما رواه السكوني من القسمة علي عدد الشهود، فإنّما هو علي وجه المصالحة و الوساطة بينهما دون مرّ الحكم، و إن تساوي عدد الشّهود أُقرع بينهم، فمن خرج اسمه حلف بأن الحقّ حقّه. و إن كان مع إحدي البينتين يد متصرفة، فإن كانت البيّنة إنما تشهد له بالملك فقط دون سببه، انتزع من يده و أعطي اليد الخارجة، و إن كانت بيّنته بسبب الملك إمّا بشرائه و إمّا نتاج الدابة إن كانت دابة أو غير ذلك، و كانت البيّنة الأُخري مثلها، كانت البينة الّتي مع اليد المتصرفة أولي.

فأما خبر إسحاق بن عمّار: أنّ من حلف كان الحقّ له، و إن حلفا كان الحقّ بينهما نصفين، فمحمول علي أنه إذا اصطلحا علي ذلك. لأنا بيّنا الترجيح بكثرة الشهود أو القرعة، و يمكن أن يكون الإمام مخيّراً بين الإحلاف و القرعة، و هذه الطريقة تأتي عليٰ جميع الأخبار من غير اطراح شي ء منها و تسلم بأجمعها، و أنت إذا فكرت فيها رأيتها علي ما ذكرت لك إن شاء اللّٰه، انتهي «1».

أقول: و يأتي ما يدل علي بعض المقصود، و لعلّ ما خالف قول الشيخ محمول علي التقية «2».

______________________________

(1) التهذيب: 6/ 237 238. الإستبصار: 3/ 42 43. أقول: قد فصّل الشيخ في كتاب الخلاف، و أطنب بمالا مزيد عليه في عدّة صفحات، الخلاف: 6/ 337 348.

(2) وسائل الشيعة: 18/ 186 187.

قاعدة القرعة، ص: 107

التنبيه العاشر: مختار العلّامة المجلسي في تعارض البينات

قال في مقام نقل الأقوال في تعارض البيّنات: الرابع ترجيح الأعدل من البيّنتين أو الأكثر عدداً مع تساويهما في العدالة مع اليمين، و مع التساوي يقضي للخارج، و هو قول المفيد، و قريب منه قول الصدوق. و الترجيح بهاتين الصفتين عمل

بها المتأخرون علي تقدير كون العين في يد ثالث، و لو كانت في يد ثالث فالمشهور الحكم لأعدل البينتين، فإن تساويا فلأكثرهما، و مع التساوي عدداً و عدالة يقرع بينهما، فمن خرج اسمه أُحلف و قضي له، و لو امتنع أُحلف الآخر و قضي له، فإن نكلا قضي بينهما بالسوية، و قال الشيخ في المبسوط: يقضي بالقرعة إن شهدتا بالملك المطلق، و يقسّم بينهما إن شهدتا بالملك المقيد، و لو اختصّت إحداهما بالتقييد قضي بها دون الأُخريٰ، و ذهب جماعة من المتقدمين إلي الترجيح بالعدالة و الكثرة في جميع الأقسام و هو أنسب «1».

التنبيه الحادي عشر: كلام لابن إدريس

إذا ضرب بطنها (أي بطن المرأة الحامل) فألقت جنيناً … فإن مات الولد في بطنها و كان تامّاً حيّاً قد علم تحقق حياته، روي في بعض

______________________________

(1) مرآة العقول: 24/ 287.

قاعدة القرعة، ص: 108

الأخبار أنّ ديته نصف دية الذكر و نصف دية الأُنثيٰ، و الذي يقتضيه أُصول مذهبنا استعمال القرعة، و لا يلتفت إليٰ أخبار الآحاد؛ لأنّها لا توجب علماً و لا عملًا، و القرعة مجمع عليها أنّها تستعمل في كلّ أمر مشكل، و هذا من ذاك «1».

و قال في كلام آخر: و روي أنّه إذا قتلت المرأة و هي حامل متمّم، و مات الولد في بطنها و لا يعلم أذكر هو أم أُنثي، حكم فيه بديتها كاملة مع التراضي، و في ولدها بنصف دية الرجل و نصف دية المرأة، و الأولي استعمال القرعة في ذلك … لأنّ القرعة مجمع عليها في كلّ أمر مشكل و هذا من ذلك «2».

و ردّه العلّامة في المختلف: إذا كانت الروايات متطابقة علي هذا الحكم، و أكثر الأصحاب قد صاروا إليها، فأيّ مشكل بعد ذلك في

هذا الحكم حتي يرجع إليها، و يعدل عن النقل و عمل الأصحاب؟ و لو استعملت القرعة في ذلك استعملت في جميع الأحكام؛ لأنا إذا تركنا النصوص بقيت مشكلة … و هذا في غاية السقوط «3». و ردّه في المسالك بأنّ عذر ابن إدريس علي مبناه في الخبر الواحد في العدول إلي القرعة واضح «4».

أقول: به يستفاد من كلامه أُمور:

ألف: أنّ القرعة قاعدة إجماعيّة.

______________________________

(1) السرائر: 3/ 400 401.

(2) السرائر: 3/ 417.

(3) مختلف الشيعة: 9/ 426 مسألة 94.

(4) مسالك الأفهام: 15/ 483.

قاعدة القرعة، ص: 109

ب: انطباق عنوان المشكل علي ما كان له واقع معيّن كما في الخنثي.

ج: تقدّم القرعة علي الأمارات الظنيّة غير المعتبرة.

التنبيه الثاني عشر: فيما ذكره رضي الدين جمال السالكين السيّد علي بن موسي بن طاوس في كتاب الأمان من إخطار الأسفار و الأزمان

قال: الفصل التاسع: فيما نذكره مما يحتاج إليه المسافر من معرفة القبلة للصلوات، نذكر منها ما يختصّ بأهل العراق، فإننا الآن ساكنون بهذه الجهات.

فنقول: إن كان الإنسان يريد معرفة القبلة لِصلاة الصبح، فيجعل مطلع الفجر في الزمان المعتدل عن يساره، فتكون القبلة بين يديه، و إن كان يريد القبلة لصلاة الظهر أو صلاة غيرها، فإذا عرف الأفق الذي طلعت منه الشمس فيجعله عن يساره، و يستقبل وسط السماء، فإذا رأي عين الشمس علي طرف حاجبه الأيمن من جانب أنفه الأيمن، فقد دخل وقت الصلاة لفريضة الظهر، و إن أراد معرفة القبلة لصلاة العشاء، فيجعل غروب الشمس عن يمينه في الزمان المعتدل و يصلّي، فإنّه يكون متوجّهاً إلي القبلة، و إن كان قد بان له الكوكب المسمّي بالجدي، فيجعله وراء ظهره من جانبه الأيمن، و يكون مستقبل القبلة. و كذا متي أراد معرفة القبلة لصلاة الليل فيعتبر ذلك بالجدي كما ذكرناه.

الفصل العاشر: فيما نذكر إذا اشتبه مطلع الشمس عليه، إن كان

قاعدة القرعة، ص: 110

غيماً

أو وجد مانعاً لا يعرف سمت القبلة ليتوجّه إليه.

نقول: إذا اشتبه مطلع الشمس عليه، و لم يكن معه من الآلات التي ذكرها أهل العلم بذلك ما يعتمد عليه، فيأخذ عوداً مقوّماً يقيمه في الأرض المستوية، فإذا زاد الفي ء فهو قبل الزوال، و إذا شرع الفي ء في النقصان فقد زالت الشمس و دخل وقت الصلاة لفريضة الظهر، و إن كان الوقت غيماً أو غيره مما يمنع من معرفة القبلة بالكلية، و كان عنده ظنّ أو أمارة بجهة القبلة فيعمل عليه، فإن تعذر ذلك فيعمد علي القرعة الشرعية، و لا حاجة إليٰ أن يصلي إليٰ أربع جهات، فإننا وجدنا القرعة أصلًا شرعياً معوّلًا عليه في الروايات، فإن لم يحصل له بها علم اليقين، فلا بدّ أن يحصل له بها ظنّ، و هو كافٍ في معرفة القبلة لمن اشتبهت عليه من المصلّين، و إن قدر أن يصحب المسافر معه كتاب «دلائل القبلة» لأحمد بن أبي أحمد الفقيه، فإنه شامل للتعريف و التنبيه لمعرفة القبلة من سائر الجهات، و فيه كثير من المهمات.

أقول: و عسي يقول قائل: إذا جاز أن يعمل بالقرعة عند اشتباه القبلة، فلا يبقي معني للفتوي بالصلاة عند الاشتباه إليٰ أربع جهات.

و الجواب: لعلّ الصلاة إليٰ أربع جهات لمن لم يقدر علي القرعة الشرعية و لا يحفظ كيفيتها، فيكون حاله كمن عدم الدلالات و الأمارات عليٰ معرفة القبلة.

و من الجواب: أنه إذا لم يكن للمفتي بالأربع جهات حجّة إلّا الحديثين المقطوعين عن الإسناد، اللذين رواهما جدي الطوسي في تهذيب الأحكام، فإنّ أحاديث العمل بالقرعة أرجح منهما و أحقّ بالتقديم عليهما.

قاعدة القرعة، ص: 111

و من الجواب: أنّنا اعتبرنا ما حضرنا من الروايات، فلم نجد في الحال الحاضرة

إلّا الحديثين المشار إليهما، و هذا لفظهما:

الحديث الأول: محمد بن علي بن محبوب، عن العباس، عن عبد اللّٰه ابن المغيرة، عن إسماعيل بن عباد، عن خراش، عن بعض أصحابنا، عن أبي عبد اللّٰه (عليه السّلام) قال: قلت له: جعلت فداك، إنّ هؤلاء المخالفين علينا يقولون: إذا أطبقت علينا أو أظلمت فلم نعرف السماء، كنّا و أنتم سواء في الاجتهاد، فقال: ليس كما يقولون، إذا كان ذلك فليصلّ لأربع وجوه «1».

الحديث الثاني: و روي الحسين بن سعيد، عن إسماعيل بن عباد، عن خراش، عن بعض أصحابنا، عن أبي عبد اللّٰه (عليه السّلام) مثله «2».

أقول: فهذان الحديثان كما تري عن طريق واحدة، و هي إسماعيل ابن عباد، عن خراش، عن بعض أصحابنا، مقطوعي الإسناد.

أقول: و قد روي جدّي الطوسي (قدّس سرّه) في تحرّي القبلة عند الاشتباه، ما هو أرجح من هذين الحديثين، و عسي أن يكون له عذر في ترجيح حديث الأربع جهات مع ضعفه و انقطاع سنده، و ظهور قوة أخبار القرعة من عدّة جهات، و نحن عاملون بما عرفناه، و لا نكلّف أحداً أن يقلّدنا، و ربّكم أعلم بمن هو أهدي سبيلًا.

الفصل الحادي عشر: فيما نذكره من الأخبار المروية بالعمل علي القرعة الشرعية.

______________________________

(1) التهذيب: 2/ 45 ح 144 و 145، الاستبصار: 1/ 295 ح 1085 و 1086، الوسائل: 3/ 226 ب 8 من أبواب القبلة ح 5.

(2) التهذيب: 2/ 45 ح 144 و 145، الاستبصار: 1/ 295 ح 1085 و 1086، الوسائل: 3/ 226 ب 8 من أبواب القبلة ح 5.

قاعدة القرعة، ص: 112

فمن ذلك ما رويناه بإسنادنا إلي الثقة الصالح علي بن إبراهيم بن هاشم القمي (رضي اللّٰه عنه) في كتابه «كتاب المبعث» من

نسخة تاريخها سنة أربعمائة من الهجرة النبوية، فيما ذكره في سرية عبد اللّٰه بن عتيك، و قد نفذهم النبيّ صلوات اللّٰه عليه و آله لقتل أبي رافع، فقال في حديثه ما هذا لفظه: و كانوا قبل أن يدخلوا قد تشاوروا فيمن يقتله، و من يقوم علي أهل الدار بالسيف، فوقعت القرعة علي عبد اللّٰه بن أنيس.

أقول: فهذا ما أردنا ذكره من الحديث قد تضمّن عملهم علي القرعة في حياة النبي (صلّي اللّٰه عليه و آله) في مثل هذا المهم العظيم، فلولا علمهم أنّ القرعة من شريعته، و أنها تدلّ علي المراد بها علي حقيقته، كيف كانوا يعتمدون عليها و يخاطرون بنفوسهم في الرجوع إليها؟! و من الأحاديث في العمل بالقرعة، ما رويناه بعدّة طرق إلي الحسن بن محبوب، من كتاب «المشيخة» من مسند جميل، عن منصور ابن حازم قال: سمعت أبا عبد اللّٰه (عليه السّلام) يقول و سأله بعض أصحابنا عن مسألة: فقال «هذه تخرج في القرعة»، ثمّ قال: «و أي قضية أعدل من القرعة إذا فوّض الأمر إلي اللّٰه عز و جل؟ أ ليس اللّٰه عز و جل يقول: فَسٰاهَمَ فَكٰانَ مِنَ الْمُدْحَضِينَ «1»؟

و من الأحاديث في العمل بالقرعة ما رويته بعدّة طرق أيضاً إليٰ جدّي أبي جعفر الطوسي، فيما ذكره في كتاب «النهاية» فقال: روي عن أبي الحسن موسي (عليه السّلام)، و عن غيره من آبائه و أبنائه صلوات اللّٰه عليهم من قولهم: «كلّ مجهول ففيه القرعة» قلت له: إنّ القرعة تخطئ

______________________________

(1) الصافات: 141.

قاعدة القرعة، ص: 113

و تصيب، فقال: «كلّ ما حكم اللّٰه به فليس بمخطئ».

أقول: فهذا يكشف أنّ كلّ مجهول ففيه القرعة، و إذا اشتبهت جهة القبلة فهو أمر مجهول، فينبغي أن

تكون فيه القرعة، و سوف نذكر من صفة القرعة بعض ما رويناه.

فصل: و قد رويت أيضاً من حديث القرعة، ما ذكره أبو نعيم الحافظ في المجلدة الأخيرة من كتاب «حلية الأولياء» ما هذا لفظه: حدّثنا أبو إسحاق بن حمزة، قال: حدّثنا أبو العباس أحمد بن محمد بن مسروق الصوفي قال: حدّثنا عبد الأعلي قال: حدّثنا حماد ابن سلمة، عن عطاء الخراساني، عن سعيد بن المسيب و أيّوب، عن محمد بن سيرين، عن عمران بن حصين. و قتادة و حميد، عن الحسن، عن عمران: أنّ رجلًا أعتق ستة مملوكين عند موته، ليس له مال غيرهم، فأقرع رسول اللّٰه (صلّي اللّٰه عليه و آله) بينهم، فأعتق اثنين و ردّ أربعة في الرق «1».

أقول: فهذا يقتضي تحقيق العمل بالقرعة في حياة النبي (صلّي اللّٰه عليه و آله)، و أنّه مروي من طريقنا و طريق الجمهور، فصار كالإجماع فيما أشرنا إليه.

فصل: و رأيت في كتاب عتيق، تسميته كتاب «الأبواب الدامغة» تأليف أبي بشر أحمد بن إبراهيم بن أحمد العمي ما هذا لفظه: قالت فاطمة بنت أسد: فلما أملق أبو طالب جاءه رسول اللّٰه (صلّي اللّٰه عليه و آله) و العباس، فأخذا من عياله اثنين بالقرعة، فطار (فصار) سهم رسول اللّٰه (صلّي اللّٰه عليه و آله) بعليّ (عليه السّلام)، فصار معه و له، و أنشأه و ربّاه، فأخذ علي (عليه السّلام) بخلق

______________________________

(1) حلية الأولياء: 10/ 215.

قاعدة القرعة، ص: 114

رسول اللّٰه (صلّي اللّٰه عليه و آله) و هديه و سيرته، و كان أول من آمن به و صدقه. تمّ الحديث.

الفصل الثاني عشر: فيما نذكره من روايات في صفة القرعة الشرعية، كنا ذكرناها في كتاب «فتح الأبواب بين ذوي الألباب و ربّ

الأرباب».

منها: ما رويناه بإسنادنا إلي الحسن بن محبوب، عن علي بن رئاب، عن عبد الرحمن بن سيابة قال: خرجت إليٰ مكة و معي متاع كثير فكسد علينا، فقال بعض أصحابنا: ابعث به إلي اليمن، فذكرت ذلك لأبي عبد اللّٰه (عليه السّلام)، فقال لي: «ساهم بين مصر و اليمن، ثمّ فوّض أمرك إلي اللّٰه، فأيّ البلدين خرج اسمه في السهم فابعث إليه متاعك»، فقلت: كيف أُساهم؟ فقال: «اكتب في رقعة: بسم اللّٰه الرحمن الرحيم، اللّهمّ إنّه لا إلٰه إلّا أنت عالم الغيب و الشهادة، أنت العالم و أنا المتعلِّم، فانظر في أيّ الأمرين خيراً لي، حتي أتوكّل عليك و أعمل به. ثمّ اكتب: مصر إن شاء اللّٰه، ثمّ اكتب في رقعة أُخري مثل ذلك، ثمّ اكتب: اليمن إن شاء اللّٰه، ثمّ اكتب في رقعة أُخري مثل ذلك، ثمّ اكتب: يُحبس إن شاء اللّٰه، و لا يبعث به إليٰ بلدة منهما، ثمّ اجمع الرقاع فادفعها إليٰ من يسترها عنك، ثمّ أدخل يدك فخذ رقعة من الثلاث رقاع، فأيّها وقعت في يدك فتوكل علي اللّٰه، و اعمل بما فيها إن شاء اللّٰه».

أقول: و رويت صفة مساهمة برواية أُخري بإسنادنا إليٰ عمرو بن أبي المقدام، عن أحدهما (عليهما السّلام) في المساهمة تكتب: «بسم اللّٰه الرحمن الرحيم، اللّٰهُمَّ فٰاطِرَ السَّمٰاوٰاتِ وَ الْأَرْضِ، عٰالِمَ الْغَيْبِ وَ الشَّهٰادَةِ الرحمن الرحيم، أَنْتَ تَحْكُمُ بَيْنَ عِبٰادِكَ فِي مٰا كٰانُوا فِيهِ يَخْتَلِفُونَ، أسألك بحقّ محمد

قاعدة القرعة، ص: 115

و آل محمد أن تصلي علي محمد و آل محمد، و أن تخرج لي خير السهمين في ديني و دنياي و عاقبة أمري و عاجله، إنّك علي كلّ شي ء قدير، ما شاء اللّٰه و لا حول و لا

قوة إلّا باللّٰه، صلّي اللّٰه علي محمد و آله و سلم. ثمّ تكتب ما تريد في رقعتين، و يكون الثالث غفلًا، ثمّ تجيل السهام، فأيّها خرج عملت عليه. و لا تخالف، فمن خالف لم يصنع له، و إن خرج الغفل رميت به».

أقول: صفة رواية أُخري في القرعة عن الصادق (عليه السّلام)، أنه قال: «من أراد أن يستخير اللّٰه تعاليٰ فليقرأ الحمد عشر مرات، و إنّا أنزلناه عشر مرات، ثمّ يقول: اللّهمّ إني أستخيرك لعلمك بعواقب الأُمور، و أستشيرك لحسن ظنّي بك في المأمون (المأمول خ. ل) و المحذور، اللّهمّ إن كان أمري هذا ممّا قد نيطت بالبركة أعجازه و بواديه، و حُفَّت بالكرامة أيّامه و لياليه، فخر لي فيه بخيرة ترد شموسه ذلولًا، و تقعض «1» أيّامه سروراً، يا اللّٰه إما أمر فآتمر، و إمّا نهي فأنتهي، اللّهمّ خِر لي برحمتك خيرة في عافية ثلاث مرّات ثمّ تأخذ كفّاً من الحصيٰ أو سبحتك» «2».

أقول: لعلّ معناه أن يجعل الكف من الحصيٰ أو السبحة في مقام رجل آخر يقارع معه، و يعزم عليٰ ما وقعت القرعة فيعمل عليه.

و في رواية أُخري: يقرأ الحمد مرّة، و إنّا أنزلناه إحديٰ عشرة مرّة، ثمّ يدعو الدعاء الذي ذكرناه و يقارع هو و آخر، و يكون قصده أنّني

______________________________

(1) قعضه: عطفه. «الصحاح قعض 3: 1103».

(2) فتح الأبواب: 53.

قاعدة القرعة، ص: 116

متي وقعت القرعة علي أحدهما أعمل عليه «1». «2»

التنبيه الثالث عشر: في نتائج الأبحاث

تحصّل من جميع ما ذكرنا:

أ: أنّ عمومات القرعة و إطلاقاتها صالحة للاستدلال كسائر العمومات و الإطلاقات، و القول بوهنها من ناحية كثرة التخصيص و التقييد، و عليه لا بدّ من الاقتصار بما عمل بها الأصحاب ممّا لا أساس له.

ب: إطلاقاتها و عموم

أدلّتها تشمل جميع الموضوعات المشكلة، كان لها واقع معين أم لا، بلا فرق بين موارد تزاحم الحقوق و غيرها.

ج: تبيّن أنّ ما يسمونه بقاعدة العدل و الإنصاف و تقديمها علي قاعدة القرعة، لا واقعية له و لا دليل عليه.

د: أنّ النقل و العقل و إن كانا دالّين علي لزوم الاحتياط في الشبهات المحصورة المقرونة بالعلم الإجمالي، إلّا أنّهما كسائر الأدلّة قاصران عن موارد الضرر و الحرج.

فعلي هذا يستدل بها في جميع الشبهات الموضوعية، التي لا دليل عليها من العقل و النقل، أو كان شمول الدليل مقروناً بالضرر و الحرج، إلّا أن يقوم الإجماع علي خلافها.

______________________________

(1) فتح الأبواب: 53.

(2) الأمان من إخطار الأسفار و الأزمان: 93 98.

قاعدة القرعة، ص: 117

التنبيه الرابع عشر: في بعض الفروع المهمّة

و لنذكر بعض الموارد المهمة تتميماً للفائدة و تكميلًا للقاعدة:

منها: الرجوع إليها في مورد الجهل بالقبلة مطلقاً، كما اختاره جمال السالكين رضي الدين علي بن موسي بن طاوس، أو في خصوص صورة ضيق الوقت، كما اختاره الشهيد الثاني في تمهيد القواعد، أو فيما لا يمكن فيه التكرار، كما صرّح بكونه الأحوط السيد الطباطبائي في كتاب العروة الوثقي.

و منها: تعيين الدائن المردّد بين الاثنين أو الأكثر، كما اختاره سيّدنا المحقّق القائد في كتاب تحرير الوسيلة «1».

و منها: تعيين القاتل المردّد بين الاثنين أو الأكثر، كما اختاره السيد القائد في بعض الاستفتاءات «2» و دلّ عليه قانون المجازات الإسلاميّة المصوّب عام (1370 الشمسيّة) «3».

______________________________

(1) تحرير الوسيلة: 1/ 332 بحث خمس الحلال المختلط بالحرام.

(2) كتاب موازين قضائي از ديدگاه امام: 163 و 170.

(3) مادة (315) من قانون المجازات الإسلامية.

و اختلف كلام الأعلام في هذه المسألة، ففي كتاب جامع الشتات يعمل فيها كسائر الدعاوي، فإن حلفوا جميعاً علي عدم ارتكابهم

القتل يحكم ببراءة الجميع. و عن سيدنا المرحوم المحقق الگلپايگاني، و شيخنا المرحوم المحقّق الأراكي: توزيع الدية علي المتّهمين. و مما ذكرنا سابقاً يظهر لزوم الرجوع إلي القرعة كما لا يخفيٰ.

ثمّ اعلم إن كان القتل عمديّاً لا يحكم بالقصاص لمن عيّن بالقرعة، و ذلك لقاعدة «الحدود تدرأ بالشبهات».

و القول بأنّ المراد بالحدود ما يسمي في الفقه بالحدود و القصاص لا يكون حدّا فقيهاً، فلا تشمله قاعدة الدرءِ، مندفع بإطلاق الحدّ عليه في بعض النصوص، و لا أقل من الشبهة في ذلك، فتشمله القاعدة لإطلاق الشبهة و شمولها عند الشبهة في شمول القاعدة و عدمه، و بعبارة اخري الشبهة في شمول قاعدة الدرءِ تدخل في نطاق القاعدة، فتأمّل.

قاعدة القرعة، ص: 118

و منها: تعيّن الجارح المردّد بين الاثنين أو الأكثر، فإنّ الأقوي الرجوع فيها إلي القرعة.

و منها: تعيين متولي الوقف المردّد بين الاثنين و الأكثر، و هكذا تعيين الناظر و الوصي عند التردّد، و غير ذلك من موارد تزاحم الحقوق و التكاليف ممّا عليه بناء العقلاء و المتشرعة، و هي خارجة عن حد الإحصاء كما لا يخفي.

التنبيه الخامس عشر: النقد العلمي لكلام ابن إدريس الحلّي

اشارة

قد مرّ في التنبيه الرابع أنّ الاستخارة نوع من القرعة، و قسم من المواضعة مع اللّٰه في إراءة الخير و الصلاح بالسبحة أو الرقاع أو القرآن الكريم عليٰ ما هو المتعارف بين الأعيان من المشايخ العظام، و يدلُّ عليٰ مشروعيته مضافاً إليٰ عمومات الدعاء، الأخبار الكثيرة و الشهرة القطعية، و لم يخالف فيها أي الاستخارة بالرقاع إلّا ابن إدريس، و هو مبنيّ عليٰ مختاره من عدم حجية الخبر الواحد، و إسناد المخالفة إلي

قاعدة القرعة، ص: 119

المحقّق الأردبيلي ناشئ من عدم التأمّل في كلامه كما ذكرناه، نعم تبعه المحقّق في المعتبر

في الجملة، و حيث تمسّك بعض المؤلّفين بكلام ابن إدريس، رأيت الصلاح في طرح كلامه مع ما أورد عليه أساطين الدين و علماؤنا العاملون، حتّي يتبيّن الحق و ينسد طريق الإضلال عليٰ من في قلبه الزيغ و يميل إلي إلقاء الريب، فنقول مستعيناً باللّٰه تبارك و تعالي:

قال في السرائر: و إذا أراد الإنسان أمراً من الأُمور لدينه أو دنياه، يستحبّ له أن يصلي ركعتين، يقرأ فيهما ما شاء، و يقنت في الثانية، فإذا سلّم، دعا بما أراد ثم ليسجد، و ليستخر اللّٰه في سجوده مائة مرّة، يقول: أستخير اللّٰه في جميع أُموري خيرة في عافية، ثم يفعل ما يقع في قلبه، و الروايات في هذا الباب كثيرة «1»، و الأمر فيها واسع، و الأولي ما ذكرناه.

فأمّا الرقاع، و البنادق، و القرعة، فمن أضعف أخبار الآحاد، و شواذ الأخبار؛ لأنّ رواتها فطحية ملعونون، مثل: زرعة و رفاعة و غيرهما، فلا يلتفت إلي ما اختصّا بروايته، و لا يعرج عليه.

و المحصلون من أصحابنا ما يختارون في كتب الفقه، إلّا ما اخترناه، و لا يذكرون البنادق، و الرقاع، و القرعة، إلّا في كتب العبادات، دون كتب الفقه. فشيخنا أبو جعفر الطوسي (رحمه اللّٰه) لم يذكر في نهايته و مبسوطه و اقتصاده «2» إلّا ما ذكرناه و اخترناه، و لم يتعرّض للبنادق، و كذا شيخنا

______________________________

(1) الوسائل: الباب 28 من أبواب بقية الصلوات المندوبة.

(2) النهاية: 142 باب نوافل شهر رمضان و غيرها من الصلوات المرغب فيها، المبسوط: 1/ 133 في ذكر النوافل من الصلاة، الاقتصاد: 274 فصل في ذكر نوافل شهر رمضان و جملة من الصلوات المرغبة فيها.

قاعدة القرعة، ص: 120

المفيد في رسالته إليٰ ولده «1» لم يتعرّض للرقاع و

لا للبنادق، بل أورد روايات كثيرة فيها صلوات و أدعية، و لم يتعرّض لشي ء من الرقاع، و الفقيه عبد العزيز بن البراج (رحمه اللّٰه) أورد ما اخترناه، فقال: و قد ورد في الاستخارة وجوه عدّة، و أحسنها ما ذكرناه «2».

و يرد عليه:

أ: ما ذكره العلّامة في المختلف بقوله: «و أيّ فارق بين ذكره في كتب الفقه و كتب العبادات؟ فإن كتب العبادات هي المختصّة به، و مع ذلك ذكره المفيد في المقنعة و هي كتاب فقه و فتوي، و ذكره الشيخ في التهذيب و هو أصل الفقه، و أيّ محصِّل أعظم من هذين المفيد و الشيخ؟ و هل استفيد الفقه إلّا منهما؟

ب: ما ذكره العلّامة فيه أيضاً بقوله: «و أمّا نسبة الرواية إليٰ زرعة فخطأ فإنّ المنقول فيه روايتان إحداهما رواها هارون بن خارجة عن الصادق (عليه السّلام) و الثانية رواها محمد بن يعقوب الكليني عن علي بن محمد رفعه عنهم (عليهم السّلام) و ليس في طريق الروايتين زرعة و لا رفاعة».

ج: ما ذكره أيضاً بقوله: «و أمّا نسبة زرعة و رفاعة إلي الفطحيّة فخطأ، أمّا زرعة فإنّه واقفي، و كان ثقة، و أمّا رفاعة فإنّه ثقة صحيح المذهب» ثم قال: «و هذا كلّه يدلّ عليٰ قلّة معرفته بالروايات و الرجال.. و هلّا استبعد القرعة و هي مشروعة إجماعاً في حقّ الأحكام الشرعية و القضايا بين الناس و شرعها دائم في حقّ جميع المكلّفين، و أمر

______________________________

(1) رسالة الشيخ المفيد: لم نعثر عليها.

(2) السرائر: 1/ 313 314.

قاعدة القرعة، ص: 121

الاستخارة سهل يستخرج منه الإنسان معرفة ما فيه الخيرة في بعض أفعاله المباحة المشتبهة عليه منافعها و مضارّها الدنيوية» «1».

أقول: رفاعة هو رفاعة بن موسي النخّاس، وثّقه

الشيخ و عدّه من أصحاب الصادق (عليه السّلام)، و قال النجاشي في حقّه: «كان ثقة في حديثه مسكوناً إليٰ روايته لا يعترض عليه شي ء من الغمز حسن الطريقة» «2».

د: قوله: «و كذا شيخنا المفيد في رسالته إليٰ ولده» اشتباه جدّاً، فإنّ المفيد لم يذكر في مؤلّفاته رسالة إليٰ ولده «3» و لم يكن ذكر من ولده في عدّ تلامذته، و لعلّه أراد به رسالة علي بن بابويه إليٰ ولده الصدوق.

ه: ما ذكره في نفي ثبوت القرعة مخالف لما ذكره في كتاب الشهادات بقوله: «و كلّ أمر مشكل مجهول يشتبه الحكم فيه، فينبغي أن يستعمل فيه القرعة؛ لما روي عن الأئمّة الأطهار (عليهم السّلام) و تواترت به الآثار، و أجمعت عليه الشيعة الإمامية» «4» إلّا أن يراد بكلامه نفي ثبوت القرعة بعد صلاة الاستخارة.

و: ما أورد عليه الشهيد في الذكري بعد استعجابه من عدّ ما دلّ عليه من شواذ الأخبار: «و كيف تكون شاذة و قد دوّنها المحدّثون في كتبهم، و المصنّفون في مصنّفاتهم، و قد صنّف السيّد السعيد العالم العابد صاحب الكرامات الظاهرة و المآثر الباهرة أبو الحسن علي بن طاوس الحسني كتاباً ضخماً في الاستخارات، و اعتمد فيه عليٰ روايات الرقاع،

______________________________

(1) مختلف الشيعة: 2/ 356 357 مسألة 256 في باقي النوافل.

(2) تنقيح المقال: 1/ 433.

(3) راجع ريحانة الأدب.

(4) السرائر: 2/ 173.

قاعدة القرعة، ص: 122

و ذكر من آثارها عجائب و غرائب أراه اللّٰه تعاليٰ إيّاها و قال: إذا توالي الأمر في الرقاع فهو خير محض، و إن توالي النهي فهو شرّ محض، و إن تفرّقت اعتمد الخير و الشرّ موزّعاً بحسب تفرّقها عليٰ أزمنة ذلك الأمر بحسب ترتبها» «1».

أقول: و تبعه أي صاحب السرائر المحقّق

في المعتبر بقوله: «و أمّا الرقاع فيتضمّن افعل و لا تفعل، و في خبر الشذوذ فلا عبرة بها» «2».

و في الجواهر عن بعض نسخ المقنعة: «أنّ هذه الرواية مشيراً به إليٰ رواية الرقاع شاذّة ليست كالّذي تقدّم» لكنّه عن ابن طاوس: أنّ النسخ الصحيحة العتيقة لم توجد فيها هذه الزيادة، و لم يتعرّض الشيخ في التهذيب لها، و قال: إنّي قد اعتبرت كلّ ما قدرت عليه من كتب أصحابنا المتقدّمين و المتأخّرين فما وجدت و لا سمعت أنّ أحداً أبطل هذه الاستخارة «3».

و في البحار إلحاقاً بكلام ابن طاوس: و لعلّ هذه الزيادة من كلام غير المفيد عليٰ حاشية المقنعة، فنقلها بعض الناسخين، فصارت في الأصل، ثمّ أوّلها عليٰ تقدير كونها من الشيخ بتأويلات كثيرة «4».

و نقل صاحب الجواهر عن مفتاح الكرامة: «أنّ ابن طاوس قد ادعي الإجماع علي الاستخارة بالرقاع ممّن رويٰ ذلك من أصحابنا و من

______________________________

(1) ذكري الشيعة في أحكام الشريعة: 4/ 267.

(2) المعتبر في شرح المختصر: 2/ 376 و في نقل الجواهر و البحار ففي حيز الشذوذ.

(3) جواهر الكلام: 12/ 166 167.

(4) بحار الأنوار: 88/ 288.

قاعدة القرعة، ص: 123

الجمهور، إليٰ أن قال: أي صاحب الجواهر: هذا كلّه مضافاً إليٰ ما سمعته سابقاً من التسامح في أدلّة الاستخارة، كما أومأ إليه في المختلف، تعرف وجوه النظر فيما سمعته من السرائر «1».

ما يرد علي صاحب كتاب القرعة و الاستخارة

صرّح بعض المعاصرين في كتاب سمّاه بالقرعة و الاستخارة بقوله: «إنّ روايات ذات الرقاع و السبحة كانت تتحرّك في الدائرة الشعبيّة التي لا تتداول المسائل بالمنحي العلمي النقدي، بل تتعاطيٰ مع هكذا أُمور، خصوصاً التي تتعلّق بأمور المستقبل بطريقة اسطورية، و فيها شي ء من التسليم للخرافة» «2».

و الجواب: أنّ محلّ البحث نفياً

و إثباتاً خصوص صلاة استخارة ذات الرقاع المرويّة في الكافي و غيره، و مجموع العمل مركّب من الصلاة و الدعاء و القرعة بكيفية خاصة. أمّا الصلاة و الدعاء فهما موردا قبول الكلّ حتّي الرجل، و أمّا القرعة فهي ما تواترت به الأخبار و الآثار كما صرّح به في فصل مشروعية القرعة من كتابه «3».

فأين التحيّر و التردّد في الاستنتاج؟! و من أين عدّت في الخرافة؟! عصمنا اللّٰه من سبات العقل و قبح الزلل، و حفظنا من الجرأة علي أساطين الدين و فقهائنا الشامخين و ساداتنا العارفين السالكين.

______________________________

(1) جواهر الكلام: 12/ 168.

(2) القرعة و الاستخارة: 110.

(3) المصدر نفسه ص 29.

قاعدة القرعة، ص: 124

الفرق بين القرعة و بين الاستقسام بالأزلام

الفرق بينهما هو الفرق بين التوحيد و بين الشرك، ثمّ اعلم أنّه يمكن أن يتوهّم من لا نصيب له في الفقه أنّ القرعة نوع من الاستقسام بالأزلام، بدعويٰ أنّ الأزلام هي السهام عند الأصنام فيما يهمّون به من الأُمور العظام، مثل التزويج أو السفر، كتب عليٰ وجهي القدح: اخرج، لا تخرج، تزوّج، لا تتزوّج، فأيّ الوجهين خرج فعل راضياً به، و هذا بعينه ما نسمّيه بالقرعة.

أقول: هذا التوهّم في غاية الفساد، فإنّ أهل الجاهلية كما صرّح به الخليل في كتاب العين يرجعون إلي الصنم بكفرهم يسألون منه أنّ أي الأمرين كان خيراً لهم أن يأذن لهم فيه من الطريقة المذكورة «1».

و عليه كان عملهم نوعَ عبادة للصنم و نحو لجوء و عكوف إليٰ آلهتهم، نظير سائر عباداتهم لأصنامهم، و أين هذا من تفويض الأمر إلي اللّٰه الواحد الحي القيوم، و استدعاء الهداية منه تبارك و تعالي؟

نعم صورة العمل تشبه بعضها بعضاً، إلّا أنّ الأول شرك و ضلال، و الثاني توحيد و هداية، نظير

السجدة، فإنّها إن وقعت للّٰه تعدّ عبادة، و إن وقعت للصنم وقعت شركاً و غواية، فأين إحداهما من الأُخريٰ؟! و الحمد للّٰه ربّ العالمين.

______________________________

(1) ترتيب العين: 664.

قاعدة القرعة، ص: 125

فهرس أهم المصادر

القرآن الكريم آلاء الرحمن في تفسير القرآن، لآية اللّٰه الشيخ محمّد جواد البلاغي، ط/ مكتبة الوجداني، قم.

الاحتجاج، لأبي منصور أحمد بن أبي طالب الطبرسي، ط/ دار النعمان، نجف، 1386 ه.

الاختصاص، للشيخ المفيد أبي عبد اللّٰه محمّد بن محمّد بن النعمان العكبري البغدادي، ط/ دار المفيد، بيروت.

أدوار فقه، للأستاذ محمود الشهابي، ط/ وزارة الثقافة و الإرشاد الإسلامي، طهران، الطبعة الخامسة، 1375 ه. ش.

الإرشاد في معرفة حجج اللّٰه علي العباد، لأبي عبد اللّٰه محمّد بن محمّد بن النعمان العكبري البغدادي المعروف بالشيخ المفيد، ط/ دار المفيد، بيروت، الطبعة الثانية، 1414 ه.

الاستبصار، لشيخ الطائفة أبي جعفر محمّد بن الحسن الطوسي، ط/ دار الكتب الإسلامية، طهران.

الاستخارة من القرآن المجيد و الفرقان الحميد، لأبي المعالي الكلباسي، ط/ مؤسسة الإمام المهدي (عليه السّلام) الطبعة الأُولي، 1411 ه.

قاعدة القرعة، ص: 126

الأصول الأصلية، لآية اللّٰه السيّد عبد اللّٰه الشبّر، ط/ مكتبة المفيد، قم، 1404 ه.

الأصول الأصيلة، للمولي محمّد محسن الفيض الكاشاني، ط/ دار إحياء الاحياء، قم، 1412 ه.

الاقتصاد فيما يتعلّق بالاعتقاد، لشيخ الطائفة محمّد بن الحسن الطوسي، ط/ دار الإضواء، بيروت، 1406 ه.

الأمان من إخطار الأسفار و الأزمان، لرضي الدين السيد علي بن موسي بن طاوس، ط/ مؤسسة آل البيت (عليهم السّلام) لإحياء التراث، قم، الطبعة الثانية، 1409 ه.

الانتصار، للسيد علم الهدي أبي القاسم علي بن الحسين الموسوي، ط/ المطبعة الحيدرية، نجف، 1391 ه.

بحار الأنوار، للعلّامة المولي محمّد باقر المجلسي، ط/ دار الكتب الإسلامية، طهران، الطبعة الثانية.

بداية المجتهد و نهاية المقتصد، لمحمّد بن

أحمد بن محمّد بن أحمد ابن رشد القرطبي، ط/ دار الفكر، بيروت.

البُرهان في تفسير القرآن، للمحدّث الخبير السيّد هاشم البحراني، ط/ المطبعة آفتاب، 1375 ه.

تاريخ حصر الاجتهاد، للعلّامة الشيخ محمّد محسن الطهراني، قم، 1401.

تأسيس الشيعة لعلوم الإسلام، لآية اللّٰه السيد حسن الصدر، ط/ منشورات الأعلمي، طهران.

تأويل الآيات الظاهرة في فضائل العترة الطاهرة، للسيّد شرف الدين علي الحسيني الأسترآبادي الغروي، ط/ مؤسسة نشر الإسلامي التابعة لجماعة المدرسين، قم، الطبعة الأوليٰ، 1419 ه.

________________________________________

قمّي، حسين كريمي، قاعدة القرعة، در يك جلد، مركز فقهي ائمه اطهار عليهم السلام، قم - ايران، اول، ه ق قاعدة القرعة؛ ص: 126

التبيان في تفسير القرآن، لشيخ الطائفة أبي جعفر محمّد بن الحسن بن علي الطوسي، ط/ المطبعة الحيدرية، نجف، 1409 ه.

قاعدة القرعة، ص: 127

تحرير الوسيلة، لآية اللّٰه السيد روح اللّٰه الموسوي الإمام الخميني، ط/ مؤسسة النشر الإسلامي التابعة لجماعة المدرسين، قم.

تذكرة الفقهاء، لحسن بن يوسف بن المطهر المعروف بالعلّامة الحلّي، ط/ المكتبة المرتضوية، طهران.

التفسير الكبير، لأبي عبد اللّٰه فخر الدين الرازي، عني بنشره محمّد بن عبد الرحمن، القاهرة.

تفسير نمونه، لآية اللّٰه مكارم الشيرازي، دار الكتب الإسلامية، قم.

تقريرات دراسات آية اللّٰه الشيخ مرتضي الحائري، بقلم المؤلف، مخطوط.

تهذيب الأحكام في شرح المقنعة، لشيخ الطائفة أبي جعفر محمّد بن الحسن ابن علي الطوسي، ط/ مكتبة الصدوق، طهران، 1418 ه.

الجامع الصحيح [سنن الترمذي]، لأبي عيسي محمّد بن عيسي بن سورة، ط/ دار إحياء التراث العربي، بيروت، 1415 ه.

جواهر الكلام في شرح شرائع الإسلام، للشيخ محمّد حسن النجفي، ط/ دار الكتب الإسلامية، طهران.

حلية الأولياء و طبقات الأصفياء، لأبي نعيم أحمد بن عبد اللّٰه الأصفهاني، ط/ دار الكتب العلمية، بيروت.

الخصال، لأبي جعفر محمّد بن علي بن الحسين بن بابويه

القمّي المعروف بالشيخ الصدوق، ط/ مؤسسة النشر الإسلامي التابعة لجماعة المدرسين، قم، الطبعة الخامسة، 1416 ه.

الخلاف، لشيخ الطائفة أبي جعفر محمّد بن الحسن الطوسي، ط/ مؤسسة النشر الإسلامي التابعة لجماعة المدرسين، قم، الطبعة الأُولي 1417 ه.

الذريعة إلي تصانيف الشيعة، للعلّامة الشيخ محمّد محسن الطهراني، ط/ دار الإضواء، بيروت، الطبعة الثالثة.

قاعدة القرعة، ص: 128

ذكري الشيعة في أحكام الشريعة، لأبي عبد اللّٰه محمّد بن مكّي العاملي المعروف بالشهيد الأوّل، ط/ مؤسسة آل البيت (عليهم السّلام) لإحياء التراث، قم، الطبعة الأوليٰ، 1419 ه.

ربيع الأبرار، لمحمود بن عمر الزمخشري، من منشورات الرضي، قم، 1410 ه.

الرسائل، لآية اللّٰه العظمي السيد روح اللّٰه الموسوي الإمام الخميني، ط/ مؤسسة إسماعيليان، قم، الطبعة الثالثة، 1410 ه.

روضات الجنّات في أحوال العلماء و السادات، للسيد مير محمّد باقر الموسوي الخوانساري، ط/ مؤسسة إسماعيليان، قم، الطبعة الأُولي، 1390 ه.

الروضة البهية في شرح اللمعة الدمشقية، لزين الدين الجبعي العاملي المعروف بالشهيد الثاني، ط/ دار إحياء التراث العربي، بيروت، الطبعة الثانية، 1403 ه.

روض الجنان و روح الجنان في تفسير القرآن، لأبي الفتوح الرازي، الطبعة الحجرية، 1323 ه.

روضة المتّقين في شرح من لا يحضره الفقيه، للعلّامة المولي محمّد تقي المجلسي، ط/ المطبعة العلمية، قم.

ريحانة الأدب، للميرزا محمّد علي بن محمّد طاهر التبريزي المعروف بالمدرّس، ط/ مكتبة خيام، الطبعة الثالثة، 1369 ه. ش.

زبدة البيان في أحكام القرآن، لأحمد بن محمّد الشهير بالمقدّس الأردبيلي، ط/ المكتبة المرتضوية، طهران.

زهر الربيع في الطرائف و الملح و المقال البديع، للسيد المحدِّث نعمة اللّٰه الموسوي الجزائري، ط/ دار إحياء التراث العربي، بيروت، 1401 ه.

السرائر، لأبي جعفر محمّد بن منصور بن أحمد بن إدريس الحلّي، ط/ مؤسسة النشر الإسلامي التابعة لجماعة المدرسين، قم، الطبعة الثانية، 1410

ه.

قاعدة القرعة، ص: 129

سفينة البحار و مدينة الحكم و الآثار، للمحدّث الشيخ عباس القمّي، ط/ المطبعة العلمية، قم.

شرائع الإسلام في مسائل الحلال و الحرام، لأبي القاسم نجم الدين جعفر بن الحسن الشهير بالمحقّق الحلّي، الطبعة الحجرية، طهران، 1320.

الصافي في تفسير القرآن، لمحمد بن المرتضي المدعو بالمحسن الملقّب بالفيض الكاشاني، الطبعة الحجرية، طهران، 1334.

صحيح البخاري، لأبي عبد اللّٰه محمّد بن إسماعيل البخاري الجعفي، ط/ دار الفكر، بيروت، 1419 ه.

صحيح مسلم، لأبي زكريا يحيي بن شرف النووي الدمشقي، ط/ دار الكتاب العربي، 1407 ه.

العروة الوثقيٰ، لآية اللّٰه السيّد محمّد كاظم اليزدي، ط/ مؤسسة إسماعيليان، قم، الطبعة الثالثة، 1416 ه.

العناوين، للسيّد مير عبد الفتاح الحسيني المراغي، ط/ مؤسسة النشر الإسلامي التابعة لجماعة المدرسين، قم، الطبعة الأُولي، 1417 ه.

عوائد الأيّام، للمولي أحمد النراقي، ط/ مكتب الإعلام الإسلامي، الطبعة الأُولي، 1417 ه.

عوالي اللئالي العزيزية في الأحاديث الدينية، لمحمّد بن عليّ بن إبراهيم الأحسائي المعروف بابن أبي جمهور، ط/ مطبعة سيّد الشهداء، قم، 1403 ه.

قواعد الأحكام، لحسن بن يوسف بن المطهر المعروف بالعلّامة الحلّي، من منشورات الرضي، قم، الطبعة الحجرية.

القواعد الفقهيّة، لآية اللّٰه السيّد حسن الموسوي البجنوردي، ط/ دار الكتب العلمية، قم.

القواعد الفقهيّة، لآية اللّٰه الشيخ محمّد الفاضل اللنكراني، ط/ المطبعة مهر، قم،

قاعدة القرعة، ص: 130

الطبعة الاولي، 1416.

القواعد الفقهيّة، لآية اللّٰه الشيخ ناصر مكارم الشيرازي، ط/ مدرسة الإمام أمير المؤمنين (عليه السّلام)، قم، الطبعة الثانية، 1410 ه.

القواعد و الفوائد في الفقه و الأُصول و العربية، لأبي عبد اللّٰه محمّد بن مكي العاملي المعروف بالشهيد الأوّل، من منشورات مكتبة المفيد، قم.

الكافي، لثقة الإسلام أبي جعفر محمّد بن يعقوب بن إسحاق الكليني الرازي، ط/ دار الكتب الإسلامية، طهران، الطبعة الثانية، 1362 ه. ش.

كامل

البهائي، للشيخ عماد الدين الحسن بن علي بن محمّد الطبري، من منشورات المكتبة المرتضوية، طهران.

الكشّاف عن حقائق غوامض التنزيل، لمحمود بن عمر الزمخشري، ط/ نشر أدب الحوزة.

كشف الغمّة في معرفة الأمّة، للعلّامة أبي الحسن علي بن عيسيٰ بن أبي الفتح الإربلي، ط/ المطبعة العلميّة، قم، 1381 ه.

كفاية الأُصول، للعلّامة الشيخ محمّد كاظم الخراساني الشهير بالآخوند، ط/ مؤسسة النشر الإسلامي التابعة لجماعة المدرسين، قم، الطبعة الرابعة، 1418 ه.

كنز العرفان في فقه القرآن، للشيخ جمال الدين المقداد بن عبد اللّٰه السيوري المعروف بالفاضل المقداد، ط/ المكتبة المرتضوية، طهران.

مباني تكملة المنهاج، لآية اللّٰه السيّد أبي القاسم الموسوي الخوئي، ط/ مطبعة الآداب، النجف.

المبسوط في فقه الإمامية، لشيخ الطائفة محمّد بن الحسن الطوسي، ط/ المكتبة المرتضوية، طهران.

مجمع البحرين، للشيخ فخر الدين الطريحي، ط/ المكتبة الرضوية لإحياء الآثار الجعفرية، 1365 ه. ش.

قاعدة القرعة، ص: 131

مجمع البيان في تفسير القرآن، للشيخ أبي علي الفضل بن الحسن الطبرسي، ط/ دار الفكر، بيروت.

مجمع الفائدة و البرهان في شرح إرشاد الأذهان، للمولي أحمد المقدّس الأردبيلي، ط/ مؤسسة النشر الإسلامي التابعة لجماعة المدرسين، قم.

المحلّي بالآثار، لأبي محمّد علي بن أحمد بن سعيد بن حزم الأندلسي، ط/ دار الكتب العلمية، بيروت، 1408 ه.

مختلف الشيعة في أحكام الشريعة، للعلّامة حسن بن يوسف بن مطهر الحلّي، ط/ مكتب الإعلام الإسلامي، الطبعة الأُولي، 1414 ه.

مستدرك الوسائل و مستنبط السائل، للمحدّث الحاج ميرزا حسين النوري الطبرسي، ط/ مؤسسة آل البيت (عليهم السّلام) لإحياء التراث، الطبعة الثانية، 1409 ه.

مستند العروة الوثقيٰ (محاضرات آية اللّٰه السيّد أبو القاسم الموسوي الخوئي)، لآية اللّٰه الشيخ مرتضي البروجردي، ط/ المطبعة العلمية، قم.

مستمسك العروة الوثقي، لآية اللّٰه السيد محسن الطباطبائي الحكيم، ط/ مطبعة النجف.

المسند، لأحمد بن حنبل،

ط/ دار الفكر، بيروت.

مصباح الأُصول تقريرات دراسات آية اللّٰه السيّد أبو القاسم الموسوي الخوئي، ط/ مطبعة النجف.

مفاتح الغيب في آداب الاستخارة، للعلّامة المولي محمّد باقر المجلسي، ط/ آستان قدس رضوي، 1367 ه. ش.

مفتاح الكرامة في شرح قواعد العلّامة، للسيّد محمّد جواد الحسيني العاملي، ط/ مؤسسة آل البيت (عليهم السّلام) لإحياء التراث، قم.

المغني، لابن قدامة المقدسي، ط/ دار الكتب العلمية، بيروت.

الملل و النحل، لأبي الفتح محمّد بن عبد الكريم الشهرستاني، من منشورات

قاعدة القرعة، ص: 132

الشريف الرضي، قم، الطبعة الثانية، 1367 ه. ش.

من لا يحضره الفقيه، لأبي جعفر محمّد بن علي بن الحسين بن بابويه القمي المعروف بالشيخ الصدوق، من منشورات جماعة المدرسين، قم، الطبعة الثانية، 1404 ه.

الموسوعة الفقهيّة، لوزارة الأوقاف و الشؤون الإسلامية بالكويت، الطبعة الرابعة، 1414 ه.

الميزان في تفسير القرآن، للعلّامة السيّد محمّد حسين الطباطبائي، ط/ المطبعة التجارية، بيروت.

النهاية في مجرّد الفقه و الفتاوي، لشيخ الطائفة أبي جعفر محمّد بن الحسن الطوسي، ط/ دار الكتاب العربي، بيروت، الطبعة الأُولي، 1390 ه.

نهج الحق و كشف الصدق، للعلّامة حسن بن يوسف المطهر الحلّي، ط/ مؤسسة دار الهجرة، قم، 1407 ه.

وسائل الشيعة إلي تحصيل مسائل الشريعة، للمحدّث الشيخ محمّد بن الحسن الحرّ العاملي، ط/ المكتبة الإسلامية، طهران.

وقائع الأيّام و السنين و الأعوام، لسيّد عبد الحسين الخاتون آبادي، ط/ المكتبة الإسلاميّة، طهران، 1352 ه.

ينابيع المودّة، لسليمان بن إبراهيم القندوزي، ط/ مكتبة المهدي، قم.

تعريف مرکز

بسم الله الرحمن الرحیم
جَاهِدُواْ بِأَمْوَالِكُمْ وَأَنفُسِكُمْ فِي سَبِيلِ اللّهِ ذَلِكُمْ خَيْرٌ لَّكُمْ إِن كُنتُمْ تَعْلَمُونَ
(التوبه : 41)
منذ عدة سنوات حتى الآن ، يقوم مركز القائمية لأبحاث الكمبيوتر بإنتاج برامج الهاتف المحمول والمكتبات الرقمية وتقديمها مجانًا. يحظى هذا المركز بشعبية كبيرة ويدعمه الهدايا والنذور والأوقاف وتخصيص النصيب المبارك للإمام علیه السلام. لمزيد من الخدمة ، يمكنك أيضًا الانضمام إلى الأشخاص الخيريين في المركز أينما كنت.
هل تعلم أن ليس كل مال يستحق أن ينفق على طريق أهل البيت عليهم السلام؟
ولن ينال كل شخص هذا النجاح؟
تهانينا لكم.
رقم البطاقة :
6104-3388-0008-7732
رقم حساب بنك ميلات:
9586839652
رقم حساب شيبا:
IR390120020000009586839652
المسمى: (معهد الغيمية لبحوث الحاسوب).
قم بإيداع مبالغ الهدية الخاصة بك.

عنوان المکتب المرکزي :
أصفهان، شارع عبد الرزاق، سوق حاج محمد جعفر آباده ای، زقاق الشهید محمد حسن التوکلی، الرقم 129، الطبقة الأولی.

عنوان الموقع : : www.ghbook.ir
البرید الالکتروني : Info@ghbook.ir
هاتف المکتب المرکزي 03134490125
هاتف المکتب في طهران 88318722 ـ 021
قسم البیع 09132000109شؤون المستخدمین 09132000109.